قوله تعالى: { ومن تاب } ظاهر هذه التوبة أنها عن الذنوب المذكورة. وقال ابن عباس: يعني: ممن لم يَقْتُل ولم يزن، { وعمل صالحاً } فانّي قد قدَّمتُهم وفضَّلتُهم على من قاتل نبيّي واستحلَّ محارمي. قوله تعالى: { فانه يتوب إِلى الله مَتاباً } قال ابن الأنباري: معناه: من أراد التوبة وقصد حقيقتها، فينبغي له أن يُريد اللّهَ بها ولا يخلط بها ما يُفسدها؛ وهذا كما يقول الرجل: من تجر فانه يتّجر في البزّ، ومن ناظر فانه يناظر في النحو، أي: من أراد ذلك، فينبغي أن يقصد هذا الفن؛ قال: ويجوز أن يكون معنى [هذه] الآية: ومن تاب وعمل صالحاً. فان ثوابه وجزاءه يعظُمان له عند ربِّه، الذي أراد بتوبته، فلما كان قوله: { فانه يتوب إِلى الله متاباً } يؤدِّي عن هذا المعنى، كفى منه، وهذا كما يقول الرجل للرجل: إِذا تكلَّمتَ فاعلم أنك تكلِّم الوزير، أي: تكلِّم من يَعرف كلامك ويجازيك، ومثله قوله تعالى:{ إِن كان كَبُر عليكم مَقامي وتذكيري بآيات الله فعلى الله توكَّلْتُ } [يونس:71]، أي: فاني أتوكَّل على من ينصرني ولا يُسْلِمني. وقال قوم: معنى الآية: فانه يرجع إِلى الله مرجعاً يقبله منه. قوله تعالى: { والذين لا يَشْهَدون الزُّور } فيه ثمانية أقوال. أحدها: أنه الصَّنم؛ روى الضحاك عن ابن عباس ان الزُّور صنم كان للمشركين. والثاني: أنه الغِناء، قاله محمد بن الحنفية، ومكحول؛ وروى ليث عن مجاهد قال: لا يسمعون الغناء. والثالث: الشِّرك، قاله الضحاك، وأبو مالك. والرابع: لعب كان لهم في الجاهلية، قاله عكرمة. والخامس: الكذب، قاله قتادة، وابن جريج. والسادس: شهادة الزور، قاله عليّ بن أبي طلحة. والسابع: أعياد المشركين، قاله الربيع بن أنس. والثامن: مجالس الخنا، قاله عمرو بن قيس. وفي المراد باللغو هاهنا خمسة أقوال. أحدها: المعاصي، قاله الحسن. والثاني: أذى المشركين إِياهم، قاله مجاهد. والثالث: الباطل، قاله قتادة. والرابع: الشِّرك، قاله الضحاك. والخامس: إِذا ذكروا النكاح كنوا عنه، قاله مجاهد. وقال محمد بن علي: إِذا ذكروا الفروج كنوا عنها. قوله تعالى: { مَرُّوا كِرَاماً } فيه ثلاثة أقوال. أحدها: مَرُّوا حُلَماء، قاله ابن السائب. والثاني: مَرُّوا مُعْرِضِين عنه، قاله مقاتل. والثالث: أن المعنى: إِذا مَرُّوا باللغو جاوزوه، قاله الفراء. قوله تعالى: { والذين إِذا ذُكّروا } أي: وُعِظوا { بآيات ربِّهم } وهي القرآن { لم يَخِرُّوا عليها صُمّاً وعُمْيَاناً } قال ابن قتيبة: لم يتغافلوا عنها كأنهم صُمٌّ لم يسمعوها، عميٌ لم يَرَوها. وقال غيره من أهل اللغة: لم يثبتوا على حالتهم الأولى كأنهم لم يسمعوا ولم يَرَوا، وإِن لم يكونوا خَرُّوا حقيقة؛ تقول العرب: شتمت فلاناً، فقام يبكي، وقعد يندب، وأقبل يعتذر، وظلَّ يتحيَّر، وإِن لم يكن قام ولا قعد.