الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَٱسْتَمِعُواْ لَهُ إِنَّ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ لَن يَخْلُقُواْ ذُبَاباً وَلَوِ ٱجْتَمَعُواْ لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ ٱلذُّبَابُ شَيْئاً لاَّ يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ ٱلطَّالِبُ وَٱلْمَطْلُوبُ }

قُلنْا: الضرب إيقاع شيء على شيء بقوة، ومنه نقول: ضربنا الدينار يعني: بعد أن كان قطعة من الذهب أو الفضة مثلاً أصبح عملةً معروفة متداولة. والمثل: تشبيه شيء غير معلوم بشيء آخر معلوم وعجيب وبديع يَعْلَق في الذهن، كما نصف لك إنساناً لم تَرَهُ بإنسان تعرفه. نقول هو مثل فلان. وهكذا كل التشبيهات: شيء تريد أن تعلمه للمخاطب وهو لا يعلمه. ومنه قوله تعالى:مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ ٱلَّذِي ٱسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّآ أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ ٱللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ } [البقرة: 17] وقوله تعالى:فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ ٱلْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَٱقْصُصِ ٱلْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } [الأعراف: 176] وقوله تعالى:مَثَلُ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَوْلِيَآءَ كَمَثَلِ ٱلْعَنكَبُوتِ ٱتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ ٱلْبُيُوتِ لَبَيْتُ ٱلْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } [العنكبوت: 41]. إذن: الأمثال: إعلام بشيء معلوم ليصل العلم فيه إلى شيء مجهول، وكلمة مثَل استقلَّتْ بأن يكون المثَل بديعاً في النسج، بليغاً موجزاً، بحيث تتناقله الألسنة بسرعة في كلمات معدودة. فلو وجدَت مثلاً تلميذاً مُهملاً تكاسل طوال العام، ولم يذاكر، فلما حضر الامتحان راح يجتهد في المذاكرة، فتقول له: قبل الرماء تملأ الكنائن يعني: قبل أنْ تصطاد بالسهام يجب أنْ تُعِدّها أولاً وتملأ بها كنانتك، فهذا مثَلٌ يُضرَب للاستعداد للأمر قبل حلوله. ومن أمثلة أهل الريف يقولون: أعْطِ العيش لخبازه ولو يأكل نصفه ويُضرب لمن يجعل الصنعة عند غير صانعها والمتخصص فيها. ويقولون فيمَنْ يُقصِّر في الأمر المنوط به: باب النجار مخلع. وحين ترسل مَنْ يقضي لك حاجة فيفلح فيها ويأتي بالنتيجة المرجوة يقول لك: أبدى المخْضُ عن الزبد والمخضُ عملية خَضِّ اللبن في القِرْبة لفَصْل الزُّبْد عن اللبن. وهكذا، المثل قَوْل موجز بليغ قيل في مناسبته، ثم استعمله الناس لخِفَّته وجماله وبلاغته في المواقف المشابهة، والمثَل يظل على حاله الأول لا يغير، ويجب الالتزام بنصِّه مع المفرد والمثنى والجمع، ومع المذكر والمؤنث، فمثلاً إنْ أرسلتَ رسولاً يقضي لك حاجة، فعندما يعود تقول له: ما وراءكِ يا عِصام هكذا بالكسر في خطاب المؤنث مع أنه رجل، لماذا؟ لأن المثَل قيل أول ما قيل لمؤنث، فظلَّ على هذه الصيغة من التأنيث حتى ولو كان المخاطَبُ مذكَّراً. وقصة هذا المثَل أن الحارث ملك كندة أراد أن يتزوج أم إياس، وبعثَ مَنْ تخطبها له، وكان اسمها عصام، فلما ذهبت إليها قالت لها أمها: إن فلانة جاءت تخطبك لفلان، فلا تخفي عنها شيئاً، ودعيها تشمُّك إنْ أرادت، وناطقيها فيما استنطقتْك به، فلما دخلتْ على الفتاة وأرادت أن ترى جسمها خلعتْ ثوبها، وكشفتْ عن جسمها، فقالت المرأة: ترك الخداع من كشف القناع فسارت مثلاً، ثم عادت إلى الحارث فاستقبلها متعجلاً ردَّها فقال: ما وراءكِ يا عصام يعني: ما الخبر؟ فظلَّ المثل هكذا للمؤنث، وإن خُوطِب به المذكر.

السابقالتالي
2 3