الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَئِنْ أَصَٰبَكُمْ فَضْلٌ مِنَ الله لَيَقُولَنَّ كَأَن لَّمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يٰلَيتَنِي كُنتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً }

قوله تعالى: { لَيَقُولَنَّ }: الجمهورُ على فتحِ لام " ليقولَنَّ " لأنه فعل مسند إلى ضميرِ " مَنْ " مبنيُّ على الفتح لأجل نون التوكيد. وقرأ الحسن بضمها، فأسند الفعل إلى ضمير " مَنْ " أيضاً لكنْ حملاً له على معناها، والأصلُ: ليقولونَنَّ، وقد تقدَّم تصريفه.

قوله: { كَأَن لَّمْ تَكُنْ } هذه " كَأَنْ " المخففةُ من الثقيلة، وعملُها باقٍ عند البصريين، وزعم الكوفيون أنَّها حين تخفيفِها لا تعمل كما لا تعمل " لكن " مخففةً عند الجمهور، وإعمالُها عند البصريين غالباً في ضمير الأمرِ والشأنِ وهو واجبُ الحذفِ، ولا تعملُ عندَهم في ضميرٍ غيرِه ولا في اسمٍ ظاهرٍ إلا ضرورةً كقوله:
1605- وصدرٍ مشرقِ النَّحْرِ   كَأَنْ ثَدْيَيْهِ حُقَّانِ
وقول الآخر:
1606- ويوماً تُوافينا بوجهٍ مُقَسَّمٍ   كأنْ ظبيةٍ تَعْطُوا إلى وارِق السَّلَمْ
في إحدى الروايات، وظاهرُ كلام سيبويه أنها تعمل في غير ضمير الشأن في غير الضرورة، ونَصُّه يُطالَعُ في كتابه. والجملة المنفية بعدها في محلِّ رفع خبر لها، والجملةُ بعدها إن كانت فعلية فَتُتَلَقَّى بـ " قدر " كقوله:
1607- لا يَهُولَنْكَ اصطلاُؤكَ للحَرْ   بِ فمحذورُها كَأَنْ قد أَلَمَّا
أو بـ " لم " كهذه الآيةِ، وقولُه:كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِٱلأَمْسِ } [يونس: 24] وقد تُلُقِّيَتْ بـ " لَمَّا " في قولِ عَمَّارِ الكلبي:
1608- بَدَّدَتْ منها الليالِي شَمْلَهمْ   فكأنْ لمَّا يكونوا قبلُ ثَمّْ
قال الشيخ: " ويَحْتاج مثلُ هذا إلى سماعٍ من العَرَبِ " وقال ابن عطية: " و " كَأَنْ " مضمنةٌ معنى التشبيهِ، ولكنها ليست كالثقيلة في الاحتياجِ إلى الاسمِ والخبرِ، وإنما تَجِيءُ بعدَها الجملُ " وظاهرُ هذه العبارة أنها لا تعمل حين تخفيفِِها، وقد تقدَّم أنَّ ذلك قولُ الكوفيين لا البصريين، ويُحْتمل أنه أراد بذلك أنَّ الجملةَ بعدها لا تتاثرُ بها لفظاً لأنَّ اسمَها محذوفٌ والجملةُ خبرٌ لها.

وقرأ ابن كثير وحفص " يَكُنْ " بالياءِ، لأن المودة في معنى الودِّ، ولأنه قد فُصِل بينها وبين فِعْلِها، والباقون بالتاء اعتباراً بلفظِها. و " يكون " تحتمل أنْ تكونَ تامةً، فيتعلق الظرفُ بها أو بمحذوف؛ لأنه حالٌ من " مودة " إذ هو في الأصل صفةُ نكرةٍ قُدِّم عليها، وأَنْ تكونَ ناقصةً فيتعلَّقُ الظرفُ بمحذوفٍ على أنه خبرها.

واختلف الناسُ في هذه الجملةِ - على ثلاثةِ أقوال: الأول: أنها لا محلَّ لها من الإِعراب اعتراضيةٌ، وعلى هذا فما المُعْتَرَضُ بينهما؟ وجهان الأول منهما: أنها معترضةٌ بين جملةِ الشرطِ التي هي " فإنْ أصابَتْكم " وبين جملةِ القسم التي هي " ولَئِنْ أصابَتْكم " والتقديرُ: " فإنْ أصابَتْكم مصيبةٌ قال: قد أَنْعَمَ اللَّهُ عليَّ إذ لم أَكُنْ معهم شهيداً، كأَنْ لم تكن بينكم وبينه مودةٌ، ولَئِنْ أصابكم فضلٌ، فأُخِّرت الجملةُ المعتَرضُ بها ـ أعني قولَه: { كَأَن لَّمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ } ـ والنيةُ بها التوسطُ، وهذا قول الزجاج وتبعه الماتريدي.

السابقالتالي
2 3