بيان الآيات في نفسها تقبل الاتصال والاتساق بحسب النظم، ولا تقبل الاتصال بقوله تعالى { ولو أنهم أقاموا التوراة والإِنجيل } الآية مع الغض عن قوله تعالى { يا أيُّها الرسول بلِّغ ما أُنزل إليك من ربك } الآية وأما ارتباط قوله تعالى { يا أيُّها الرسول بلِّغ } الآية فقد عرفت الكلام فيه. والأشبه أن تكون هذه الآيات جارية على سياق الآيات السابقة من أوائل السورة إلى هنا أعني ارتباط مضامين الآيات آخذة من قوله تعالى { ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيباً } الآية الـ 12 من السورة إلى آخر هذه الآيات المبحوث عنها باستثناء نزرة مما تتخللها كآية الولاية وآية التبليغ وغيرهما مما تقدم البحث عنه، ومثله الكلام في اتصال آيات آخر السورة بهذه الآيات فإنها جميعاً يجمعها أنها كلام يتعلق بشأن أهل الكتاب. قوله تعالى { قل يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإِنجيل } إلى آخر الآية، الإِنسان يجد من نفسه خلال أعماله أنه إذا أراد إعمال قوة وشدة فيما يحتاج إلى ذلك، وجب أن يعتمد على مستوى يستوي عليه أو يتصل به كمن أراد أن يجذب أو يدفع أو يحمل أو يقيم شيئاً ثقيلاً فإنه يثبت قدميه على الأرض أولاً ثم يصنع ما شاء لما يعلم أن لولا ذلك لم يتيسر له ما يريد، وقد بحث عنه في العلوم المربوطة به. وإذا أجرينا هذا المعنى في الأمور المعنوية كأفعال الإِنسان الروحية أو ما يتعلق من أفعال الجوارح بالأمور النفسية كان ذلك منتجاً أن صدور مهام الأفعال وعظائم الأعمال يتوقف على أُس معنوي ومبنى قوي نفسي كتوقف جلائل الأمور على الصبر والثبات وعلو الهمة وقوة العزيمة وتوقف النجاح في العبودية على حق التقوى والورع عن محارم الله. ومن هنا يظهر أن قوله تعالى { لستم على شيء } كناية عن عدم اعتمادهم على شيء يثبت عليه أقدامهم فيقدروا بذلك على إقامة التوراة والإِنجيل وما أُنزل إليهم من ربهم تلويحاً إلى أن دين الله وحكمه لها من الثقل ما لا يتيسر حمله للإِنسان حتى يعتمد على أساس ثابت ولا يمكنه إقامته بمجرد هوى من نفسه كما يشير تعالى إلى ذلك بالنسبة إلى القرآن الكريم بقوله{ إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً } المزمل 5، وقوله{ لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله وتلك الأمثال نضربها للناس لعلَّهم يتفكرون } الحشر 21، وقوله{ إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها } الأحزاب 72 الآية. وقال في أمر التوراة خطاباً لموسى عليه السلام{ فخذها بقوة وأمر قومك يأخذوا بأحسنها } الأعراف 145، وقال خطاباً لبني إسرائيل