والله { لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ } على لسان أنبيائهم ألاَّ تشركوا بالله، ولا تخاصموا مع أنبيائه ورسوله { وَ } بعدما أخذنا منهم الميثاق { أَرْسَلْنَآ إِلَيْهِمْ رُسُلاً } مبشرين ومنذرين تخاصموا، وصاروا من خبث بواطنهم { كُلَّمَا جَآءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَىٰ أَنْفُسُهُمْ } وبما لا ترضى به عقولهم { فَرِيقاً كَذَّبُواْ } عندنا؛ مكابرةً وعناداً { وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ } [المائدة: 70] الأنبياء؛ ظلماً وعتواً.
{ وَ } هم من غاية عمههم وانهماكهم في الإعراض عن الحق { حَسِبُوۤاْ } وظنوا { أَلاَّ تَكُونَ } وتدور عليهم { فِتْنَةٌ } مصيبة وبلاء بواسطة التكذيب والقتل { فَعَمُواْ } عن أمارات الدين، وعلامات اليقين { وَصَمُّواْ } عن استماع دلائل التوحيد والعرفان { ثُمَّ } بعدما تنبهوا تابوا مخلصين { تَابَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ } عفا عنهم وقَبِل توبتهم، ثم بعدما تابوا { ثُمَّ عَمُواْ وَصَمُّواْ كَثِيرٌ مِّنْهُمْ } كرةً أخرى؛ لخباثتهم الجبلية { وَٱللَّهُ } المطلع لجميع حالاتهم { بَصِيرٌ } خبير { بِمَا يَعْمَلُونَ } [المائدة: 71] بمقتضى أهويتهم الباطلة يجازيهم على مقتضى علمه وخبرته.
{ لَقَدْ كَفَرَ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ } من غاية جهلهم بقدر الله وما يليق بجانبه: { إِنَّ ٱللَّهَ } المتجلي على عروش الذرائر الكائنة شهادة وغيباً { هُوَ ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ مَرْيَمَ } أي: متحد به محصور عليه؛ إفراطاً وعلواً { وَقَالَ ٱلْمَسِيحُ } لهم حين سمع منهم ما قالوا: { يَابَنِيۤ إِسْرَائِيلَ } التائهين بتيه الجهل والإفراط { ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ } المنزه عن الحصر والحلول والاتحاد بل هو { رَبِّي } رباني بأنواع اللطف والكرم.
{ وَرَبَّكُمْ } أيضاً بإفاضة العقل الموصل إلى معرفة توحيده، لا فرق بيني وبينكم في العبودية والربوبية، لا تشركوا معه، ولا تحصروه فيّ { إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ } المنزه عن الشريك مطلقاً غيرَه من مخلوقاته { فَقَدْ حَرَّمَ ٱللَّهُ عَلَيهِ ٱلْجَنَّةَ } التي هي منزل السعداء الموحدين { وَمَأْوَاهُ ٱلنَّارُ } المعدة للأشقياء الظالمين، المشركين { وَ } اعلموا أن { مَا لِلظَّالِمِينَ } المفترين على الله ما هو بريء عنه بذاته { مِنْ أَنصَارٍ } [المائدة: 72] ينصرونهم ويشفعون لهم عند أخذ سبحانه وبطشه.