الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ ٱلنَّبِيِّيْنَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِّيثَاقاً غَلِيظاً }

كلمة إذ، إذا ظرف لحدث، تقول: إذا جاءك فلان فأكرمه، فالإكرام مُعلّق بالمجيء، والمعنى هنا: واذكر إذْ أخذ الله من النبيين ميثاقهم، وهذه قضية عامة في الرسل جميعاً، ثم فصَّلها الحق سبحانه بقوله: { وَمِنْكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ.. } [الأحزاب: 7]. الميثاق: هو العهد يُؤخذ بين اثنين، كالعهد الذي أخذه الله تعالى أولاً على الخَلْق جميعاً، وهم في مرحلة الذَّرِّ، والذي قال الله عنه:وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِيۤ ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ.. } [الأعراف: 172]. فما العهد الذي أخذه الله على النبيين؟ العهد هنا هو: الاصطفاء والاختيار من الله لبشر أنْ يكون رسولاً وسفيراً بين الله تعالى والخلق، وحين يصطفي الله رسولاً ليبلِّغ الناس شرع الله، هذا الاصطفاء لا يرد، إذن، فهو عرض مقبول، وحين يقبله الرسول كأنه أخذ عهداً وميثاقاً من الله تعالى بأنْ يحمل رسالة الله إلى الخَلْق، فهي - إذن - مسألة إيجاب وقبول. فقوله تعالى: { وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ ٱلنَّبِيِّيْنَ مِيثَاقَهُمْ.. } [الأحزاب: 7] الآخذ هو الحق سبحانه، والمأخوذ منه هم النبيون، والميثاق: العهد الموثَّق، والعهد تعاهد وتعاقد بين طرفين على أمر يُحقِّق الصالح عندهما معاً، ولو اختلف واحد منهما ما تَمَّ العقد، فإنْ كان الطرفان متساويين اشترط كل منهما ما يراه لنفسه في العقد. فإنْ كان الميثاق من الأعلى إلى الأدنى فهو الذي يأخذ العهد للأدنى، لماذا؟ لأنك جعلتَه في مرتبة أنْ يعطي عهداً، ويُوثق بينك وبينه أشياء لذلك يقول الحق سبحانه:وَمِيثَاقَهُ ٱلَّذِي وَاثَقَكُم بِهِ.. } [المائدة: 7]. والمواثقة مفاعلة بين الطرفين: أنتم واثقتُموه به وهو واثقكم به لأن الرسل حين يختارهم الله، لا شكَّ أنه سبحانه يعلم حيث يجعل رسالته، فإذا اختار الله رسولاً، فقبول الرسول للرسالة ارتضاء منه بما يريده الله من العهد. وهل رأينا رسولاً في موكب الرسالات عُرِضَتْ عليه الرسالة فرفضها؟ إذن: قبول الرسالة كأنه العهد، جاء من طرف واحد في إملاء شروطه لأنه الطرف الأعلى، وحيثية التوثيق في أن الله اختاره، وجعله أهْلاً للاصطفاء للرسالة. لذلك رأينا في قصة سيدنا موسى - عليه السلام - لما اصطفاه الله للرسالة آنس من نفسه أنها مسألة كبيرة بالنسبة له، لكن لم يردَّها، إنما طلب من الله أنْ يسانده في هذه المسئولية أخوه هارون، فقال للحق سبحانه وتعالى:وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَاناً فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءاً يُصَدِّقُنِي.. } [القصص: 34]. فلم يقل: أنا لا أصلح لهذه المسألة، إنما أذعن لأمر الله، فالله أعلم حيث يجعل رسالته، ومسألة العقدة التي في لسانه يستعين عليها بأخيه. إذن: كلمة الميثاق تدور حول الشيء المؤكَّد الموثَّق، ومنه قوله تعالى عن الأعداء:

السابقالتالي
2 3