قوله تعالى: { وَٱلسَّمَآءِ وَٱلطَّارِقِ } إلى آخرها. هذا (قسم) أقسم ربنا تعالى بما شاء، وتقديره: ورب السماء والطارق. ثم بين الطارق فقال: { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا ٱلطَّارِقُ * ٱلنَّجْمُ ٱلثَّاقِبُ } أي: النجم المضيء، يقال: طرقنا فلان: إذا أتى بليل. قال ابن عباس: معناه: " والسماء وما يطرق فيها ". قال قتادة: " يطرق بالليل ويخفى بالنهار ". قال ابن زيد: العرب تسمي الثريا النجم. وحكى الفراء: ثقب [النجم] إذا ارتفع. وقال: هو زحل. ويقال: ثقب الطائر إذا ارتفع وعلا. قال مجاهد: { ٱلثَّاقِبُ }: الذي يتوهج. ثم قال تعالى: { إِن كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ }. من خفف [لما]، فتقديره: إن كل نفس لعليها حافظ، " فما " زائدة مؤكدة، " وإن " مخففة من [الثقيلة]. ومن شدد [لما] جعلها بمعنى " إلا " لغة في هذيل، و { إِن } بمعنى " ما ". والمعنى: ما كل نفس نفس إلا عليها حافظ من ربها يحفظ عملها [و] يحصي عليها ما تكسب من خير وشر. قال ابن عباس: معناه: كل نفس عليها حفيظ من الملائكة. وقال قتادة: " حفظة يحفظون عملك ورزقك وأجلك إذا توفيته يا ابن آدم قُبضت إلى ربك. وقال الفراء: كل نفس عليها حافظ يحفظها من الآفات حتى يسلمها إلى المقدور. ثم قال تعالى: { فَلْيَنظُرِ / ٱلإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ * خُلِقَ مِن مَّآءٍ دَافِقٍ }. أي: فلينظر الإنسان المكذب بالبعث بعد الموت، المنكر قدرة الله على ذلك من أي شيء خلق. { خُلِقَ مِن مَّآءٍ دَافِقٍ } أي: مدفوق. فيعلم أن من خلقه من ماء فصوره وسواه [بشراً]، (وهو) قادر أن يعيده بشراً بعد موته، وذل أهون وأيسر فيما تعقلون بينكم. قال الكسائي والفراء: أهل الحجاز أفعل الناس لهذا: يأتون بفاعل بمعنى مفعول إذا كان نعتاً، يقولون: سر كاتم وماء دافق، أي: مكتوم ومدفوق. وهذا عند البصريين لا يقاس عليه، وإنما يأتي في ما لا يشكل. ولا يجوز رجل [ضارب] بمعنى مضروب، لأن فيه بطلان الكلام كله وفساد المعاني. وقوله: { يَخْرُجُ مِن بَيْنِ ٱلصُّلْبِ وَٱلتَّرَآئِبِ }. أي: يخرج الإنسان من بين صلب الرجل وترائب المرأة. وواحد الترائب: تريبة. ومعنى الكلام: [منهما]. وقرأ عيسى بن عمر: " (بين) الصلب " بضمتين. وقال إبراهيم بن عرفة: الترائب في اللغة: ضلوع الصدر، واحدها تريبة. قال ابن عباس: الترائب: موضع القلادة من صدر المرأة. وسئل عكرمة عن الترائب فقال: " هذا ووضع يده على صدره بين ثدييه " وعن ابن عباس: أنها " بين ثديي المرأة ". وقال ابن جبير: { وَٱلتَّرَآئِبِ } [الصدر]. وقاله ابن زيد. وقال مجاهد: { وَٱلتَّرَآئِبِ }: " ما بين المنكبين والصدر ".