{ وَ } أنى يعزب ويغيب عن عمله شيء؟! { هُوَ ٱلَّذِي خَلَق } أي: أظهر وأبدع { ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ } أي: العلويات والسفليات اللتين هما بمثابتة الآباء والأمهات والفواعل والقوابل لنشأتكم وظهوركم { فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ } ليحيط بالجهات كلها { وَكَانَ عَرْشُهُ } أي: مجلاه ومحل بروزه على الماء، وتشعشع تجلياته قبل ظهور هذه المظاهر والمكونات { عَلَى ٱلْمَآءِ } أي: على الحياة الحقيقية الخالية من التغرات والانقالابات المتوهمة من التعينات العدمية والتشخيصات الهيولانية، وإنما أظهرها على هذا التمثال وأوجدهها على هذا المنوال { لِيَبْلُوَكُمْ } ويختبركم أيها الأظلال والعكوس { أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً } وقبولاً، وأتم توجهاً ورجوعاً، وأكمل تحققاً ووصولاً في يوم الجزاء. { وَ } بعدما نبههم الحق على ما هو الحق، وأوجدهم على فطرة الفطنة و الذكاء بمبدئهم ونشأتهم الأصلية { لَئِن قُلْتَ } يا أكمل الرسل تذكيراً له وإصلاحاً لحالهم: { إِنَّكُمْ مَّبْعُوثُونَ مِن بَعْدِ ٱلْمَوْتِ } للحساب والجزاء وتنفيذ الأعمال، فعليكم أن تتهيأوا لها وتدخروا لأجلها حتى لا تؤاخذوا و لاتعاقبوا { لَيَقُولَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ } منهم من كمال غفلتهم وقسوتهم بعدما سمعوا منك قولك هذا: { إِنْ هَـٰذَآ } أي: ما الذي تقول به هذا الرجل إن وقع وتحقق { إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ } [هود: 7] عظيم؛ إذ إحياء الموتى من العظام الرفات لا يُتصور إلا بالسحر الخارق للعادات، فإن وقع فهو في غاية العظمة ونهاية الغرابة. { وَ } بعدما استوجبوا لأسوأ العذاب واستحقوا الأليم العقاب بكفرهم وإنكارهم { لَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ ٱلْعَذَابَ } المعد لهم؛ أي: إتيانه { إِلَىٰ أُمَّةٍ } أي: جماعة من الأيام والأوقات { مَّعْدُودَةٍ } قلائل { لَّيَقُولُنَّ } مستهزئين مستسخرين من غاية جهلهم وإنكارهم: { مَا يَحْبِسُهُ } أي: يمنعه عن إتيان ما يدعيه من العذاب ووقوع ما يعد به من الأخذ والبطش { أَلاَ } تنبهوا أيها المؤمنون وتذكروا { يَوْمَ يَأْتِيهِمْ } العذاب، واعلموا يقيناً أن العذاب { لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ } حينئذ، ساقطاً عن ذمتهم، بل نزل عليهم { وَحَاقَ } وأحاط { بِهِم } حتماً { مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ } [هود: 8] من العذاب الموعود وقت إنذار الرسول. { وَ } من غاية لطفنا وجودنا إلى الإنسان، ونهاية إحساننا معه وتفقدنا لحاله { لَئِنْ أَذَقْنَا ٱلإِنْسَانَ } المجبول على النسيان والكفران وأعطيناه { مِنَّا رَحْمَةً } ونعمة تسره وتفرج همه { ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ } ومنعناها عنه؛ إظهاراً لقدرتنا وكمال بسطتنا { إِنَّهُ } من قلة تصبره وغاية ضعفه وتكسره { لَيَئُوسٌ } قنوط من فضلنا ورحمتنا { كَفُورٌ } [هود: 9] لما وصل إلي من نعمتنا. { وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ } وأنعمنا عليه { نَعْمَآءَ بَعْدَ ضَرَّآءَ مَسَّتْهُ } أي: أعجزته وأزعجته { لَيَقُولَنَّ } متفخراً مباهياً بطراً { ذَهَبَ ٱلسَّيِّئَاتُ } المؤلمة المحزنة { عَنِّيۤ إِنَّهُ } من غاية غفلته عن المنعم { لَفَرِحٌ } بطر فرحان { فَخُورٌ } [هود: 10] مغرور مفتخر بما في يده من النعم، مشغل بها عن شكرها وأداء حقها. { إِلاَّ ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ } على ما أصابهم من السيئات المملة المؤلمة، واسترجعوا إلى الله لكشفها { وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } وواظبوا على الخيرات والحسنات وداوموا على الإيثار والصدقات؛ شكراً لما أنعمنا عليها { أُوْلَـٰئِكَ } السعداء الصابرون عن البلاء، الشاكرون على النعماء عليهم { لَهُمْ مَّغْفِرَةٌ } أي: ستر ومحو لذنوبهم التي مضت عليهم { وَأَجْرٌ كَبِيرٌ } [هود: 11] هو الرضاء منهم تفضلاً عليهم وامتناناً.