قال الله تعالى: { أَلْهَاكُمُ ٱلتَّكَّاثُرُ } وقرأ أبو بكر الصديق رضي الله عنه وابن عباس والشعبي: [ " أألهاكم " ] بهمزتين مقصورتين، على الاستفهام، بمعنى الإنكار والتوبيخ. والمعنى: شغلكم التفاخر بكثرة الرجال الأشراف، ويدخل في ذلك: التكاثر بالأموال والأولاد. { حَتَّىٰ زُرْتُمُ ٱلْمَقَابِرَ } فعدَّدْتُم من فيها من أشرافكم. وقيل: المعنى: حتى أدرككم الموت على تلك الحال. وفي الصحيحين من حديث عبدالله بن الشخير أنه قال: " انتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: { أَلْهَاكُمُ ٱلتَّكَّاثُرُ } قال: يقول ابن آدم: مالي مالي، وما لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأمضيت؟ ". قوله تعالى: { كَلاَّ } ردعّ لهم ولكل عاقل عن أن يجعل ذلك وما أشبهه من أمور الدنيا الحائلة الزائلة أكبر همّه ومبلغ علمه. ثم توعدهم فقال: { سَوْفَ تَعْلَمُونَ }. ثم أكّد ذلك بقوله: { ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ } قال الحسن: هو وعيد بعد وعيد. والمعنى: سوف تعلمون عاقبة تكاثركم وتفاخركم إذا نزل بكم سلطانُ الموت، وما بعده من القبر وأهوال القيامة، والمجازاة. ثم كرر تنبيههم أيضاً فقال: { كَلاَّ }. وجواب: { لَوْ تَعْلَمُونَ } محذوف. والمعنى: لو تعلمون ما بين أيديكم { عِلْمَ } الأمر { ٱلْيَقِينِ } أي: كعلمكم ما تستيقنونه من الأمور، أو لو تعلمون الأمر علماً يقيناً لشغلكم عن التكاثر. ثم [توعدهم] أيضاً فقال: { لَتَرَوُنَّ ٱلْجَحِيمَ } وقرأ ابن عامر والكسائي: " لتُرَوُنَّ " بضم التاء. { ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا } وقرأ يعقوب في رواية أبي حاتم: " لتُرَوُنَّها " بضم التاء. { عَيْنَ ٱلْيَقِينِ } أي: الرؤية التي هي نفس اليقين. { ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ ٱلنَّعِيمِ } قال الحسن: هو خاص بالكفار. وقال قتادة: هو عام. وهو الصحيح، فالمؤمن يُسأل عن الشكر، والكافر يُسأل سؤال توبيخ، لم قابل النِّعَم بالكفر. وللمفسرين في النعَم أقوال كثيرة؛ قال ابن مسعود: الأمن والصحة. وقيل: الماء البارد. وقال الحسن: الغداء والعشاء. وقال عكرمة: الصحة والفراغ. وقيل: غير ذلك. والصحيح: عمومها في صنوف نِعَم الله على الآدمي. ومنه قوله صلى الله عليه وسلم حين أكل هو وأبو بكر وعمر رُطَباً وشربوا ماء: " هذا من النعيم الذي تُسألون عنه ". وفي حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يقول الله عز وجل: ثلاثٌ لا أسأل عبدي عن شكرهن، وأسأله عما سوى ذلك، بيتٌ يسكنه، وما يقيم به صلبه من الطعام، وما يواري به عورته من اللباس " والله تعالى أعلم.