قوله تعالى ذكره: { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } إلى آخر السورة. أي: إن الذين يؤذون أولياء الله، قاله الشعبي. روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " قال الله عز وجل: " شَتَمَنِي عَبْدِي وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَشْتُمَنِي، وَكَذَّبَني عَبْدِي وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُكَذِّبَنِي فَأَمَّا شَتْمُهُ إِيَّايَ فَقَوْلُهُ: إِنِّي اتَّخَذْتُ وَلَداً، وَأَنَا الأَحَدُ الصَّمَدُ. وَأَمَّا تَكْذِيبُهُ إِيَّايَ فَإِنَّهُ زَعَمَ أَنْ لَنْ يُبْعَثَ - يَعْنِي بَعدَ المَوْتِ - " وقال عكرمة: هم أصحاب التصاوير. وقيل: إنهم يعصون الله ويركبون ما حرم عليهم فذلك أذاهم. ثم قال تعالى: { وَٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا ٱكْتَسَبُواْ }. قال مجاهد: يَقْفُونَ فيهم بغير ما عملوا. وقيل: إنها نزلت في الذين طعنوا على النبي صلى الله عليه وسلم حين نكح صفية بنت حُيي. ثم قال: { لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ } أي: أبعدهم من رحمته. ثم قال: { فَقَدِ ٱحْتَمَلُواْ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً } أي: وزر كذب وفرية شنيعة، { وَإِثْماً مُّبِيناً } أي: بَيِّنٌ لسامعه أنه إثم وزور. والبهتان أفحش الكذب. ثم قال تعالى: { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَآءِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } الآية. أي: قل لهن يرخين عليهن أرديتهن لئلا يشتبهن بالإماء في لباسهن إذا خرجن لحاجتهن فيكشفن شعورهن ووجوههن، ولكن يدنين عليهن من جلابيبهن لئلا يعرض لهن فاسق. قال ابن عباس في معناها: أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلابيب، ويبدين عيناً واحدة. وعنه أيضاً أنه قال: كانت الحرة تلبس لباس الأمة، فأمر الله نساء المؤمنين أن يدنين عليهن من جلابيبهن، وإدناء الجلباب أن تقنع به وتشده على جبينها. وقال أبو مالك والحسن: كان النساء يخرجن بالليل في حاجاتهن فيؤذيهن المنافقون ويتوهمون أنهن إماء فأنزل الله الآية. وكان عمر رضي الله إذا رأى أمة قد تقنعت علاَهَا بالدِّرَة. وقال ابن سيرين: سألت عبيدة عن قوله: { يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلاَبِيبِهِنَّ } فقال: تغطي حاجبها بالرداء أو ترده على أنفها حتى يغطي رأسها ووجهها وإحدى عينيها. وقال مجاهد: يتجلببن حتى يعرفن فلا يؤذين بالقول. وقال الحسن: { ذٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ } أي: يعرفن حرائر فلا يؤذين. قال ابن عباس وابن مسعود: الجلباب الرداء. وقال المبرد: الجلباب كل ملحفة تستر من ثوب أو ملحفة. ثم قال: { وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً } لما سلف منهن من ترك إدنائهن جلابيبهن عليهن، { رَّحِيماً } بهن أن يعاقبهن بعد موتهن. ثم قال تعالى: { لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ ٱلْمُنَافِقُونَ وَٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ } أي: لئن لم ينته الذين يسرون الكفر. { وَٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ } أي: شهوة من الزنى من المنافقين. { وَٱلْمُرْجِفُونَ فِي ٱلْمَدِينَةِ } أي: أهل الإرجاف في المدينة بالكذب والباطل يشيعون ما يخوفون به المؤمنين، وهم من المنافقين، أيضاً هم أجناس قد جمعوا هذه الأسماء كلها.