قوله - عز وجل -: { وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِفَتَاهُ لاۤ أَبْرَحُ... } الآية. قال أهل التأويل: { لاۤ أَبْرَحُ } ، أي: لا أزال حتى أبلغ كذا، فإن كان على هذا فهو ظاهر، وإلا: حرف البراح، يعرف البراح عن المكان، أي: لا أبرح المكان حتى أبلغ مجمع البحرين، وهو كأنه على الإضمار، أي: لا أبرح أسير معك حتى أبلغ كذا، كأنه سبق من فتاه: أنه يسير إلى ذلك المكان دونه؛ على ما يقول الخادم لمولاه إذا أراد أن يسير لحاجة: أنا أسير، وأنا أذهب - فعند ذلك قال له موسى: { لاۤ أَبْرَحُ } ، أي: لا أفارقك، وأسير معك. { حَتَّىٰ أَبْلُغَ }. ما ذكر، أي: أمرت بذلك. وقال بعضهم: سماه: فتى؛ لأنه كان خادمه يخدمه. وقال بعضهم: سمّاه: فتى؛ لأنه كان يتبعه ويصحبه؛ ليتعلم منه العلم. وقوله: { مَجْمَعَ ٱلْبَحْرَيْنِ }. أي: ملتقى البحرين. وقوله: { أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً }. قيل: زمانا ودهراً، وقيل: الحقب: ثمانون سنة. وقال بعضهم: هو بلغة قوم: سنة. وقال بعضهم: هو على التمثيل: على ما يبعد. وقيل: سبعون سنة، ونحوه، والله أعلم. وقوله: { فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا }. أضاف النسيان إليهما، وإن كان الذي نسيه هو فتاه. وقال بعضهم: أضاف النسيان إليهما على الترك؛ لأنهما فارقا ذلك المكان وتركا الحوت فيه، وإنما أضاف النسيان إليهما، لما تركاه جميعاً فيه وفارقاه، وإن كان الفتى هو الذي نسيه دون موسى [فقد نسي موسى] أن يستخبره عنه؛ فقد كان منهما جميعاً النسيان: من الفتى الإخبار والتذكير، ومن موسى: الاستخبار عن حاله. وقال بعضهم: أضاف ذلك إليهما؛ لما نسيا مكان الرجل الذي أمر موسى أن يأتيه ويقتبس منه العلم، فهو على الجهل يخرج على هذا التأويل، أي: جهلا مكانه، والله أعلم. وقوله: { فَٱتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي ٱلْبَحْرِ سَرَباً }. قال أبو عوسجة: سرباً، أي: دخل في البحر كما يدخل في السرب، والسرب: هو داخل الأرض يقال بالفارسية: سمج. وقال القتبي: سرباً، أي: مذهباً ومسلكاً. وقول أهل التأويل: إن الحوت كان مشويّاً فأحياه الله. وقال بعضهم: كان طريا. ولكن ليس لنا إلى معرفة الحوت أنه كان مشويّاً أو طريّاً حاجة، وهو قادر على أن يحييه مشويّاً أو طريّاً في أي حال كان، والله أعلم. وقوله - عز وجل -: { فَلَمَّا جَاوَزَا }. يعني: مكانه. { قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَآءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَـٰذَا نَصَباً }. فيه دلالة: أن لا بأس للرجل إذا أصابته مشقة وجهد أن يذكر أصابني كذا، وللمريض يقول: بي من المرض كذا، ولا يخرج ذلك مخرج الشكوى والجزع عن الله؛ حيث قال موسى: { لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَـٰذَا نَصَباً }: تعباً وجهداً. وقوله: { قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَآ إِلَى ٱلصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ ٱلْحُوتَ وَمَآ أَنْسَانِيهُ إِلاَّ ٱلشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ }.