{ وَهُوَ ٱلَّذِي يُرْسِلُ ٱلرِّيَاحَ بُشْرىً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ } ، يقول: الرياح نشراً للسحاب، كقوله:{ يُرْسِلُ ٱلرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً } [الروم: 48]، يسير السحاب قدام الرياح، { حَتَّىٰ إِذَآ أَقَلَّتْ } ، يعنى إذا حملت الريح { سَحَاباً ثِقَالاً } من الماء، { سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ } ، ليس فيه نبات، { فَأَنْزَلْنَا بِهِ ٱلْمَآءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ } بالماء من الأرض، { مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ كَذٰلِكَ } ، يعنى هكذا، { نُخْرِجُ } ، يخرج الله { ٱلْموْتَىٰ } من الأرض بالماء، كما أخرج النبات من الأرض بالماء، { لَعَلَّكُمْ } ، يعنى لكى { تَذَكَّرُونَ } [آية: 57] فتعتبروا فى البعث أنه كائن، نظيرها فى الروم والملائكة.
ثم ضرب مثلاُ للمؤمنين والكفار، فقال: { وَٱلْبَلَدُ ٱلطَّيِّبُ } ، يعنى الأرض العذبة إذا مطرت، { يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ } ، فينتفع به كما ينفع المطر البلد الطيب فينبت، ثم ذكر الكافر، فقال: { وَٱلَّذِي خَبُثَ } من البلد، يعنى من الأرض السبخة أصابها المطر، فلم ينبت، { لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِداً } ، يعنى إلا عسراً رقيقاً يبس مكانه، فلم ينتفع به، فهكذا الكافر يسمع الإيمان ولا ينطق به ولا ينفعه، كما لا ينفع هذا النبات الذى يخرج رقيقاً فييبس مكانه، { كَذٰلِكَ } ، يعنى هكذا { نُصَرِّفُ ٱلآيَاتِ } فى أمور شتى لما ذكره فى هاتين الآيتين، { لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ } [آية: 58]، يعنى يوحدون ربهم.
{ لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَىٰ قَوْمِهِ فَقَالَ يَاقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ } ، يعنى وحدوا الله، { مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ } ، يقول: ليس لكم رب غيره، فإن لم تعبدوه، { إِنِّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ } فى الدنيا { عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } [آية: 59] لشدته.
{ قَالَ ٱلْمَلأُ مِن قَوْمِهِ } ، وهم القادة والكبراء لنوح: { إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } [آية: 60].
{ قَالَ يَاقَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلاَلَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ ٱلْعَالَمِينَ } [آية: 61] إليكم.
{ أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي } فى نزول العذاب بكم فى الدنيا، { وَأَنصَحُ لَكُمْ } فيها وأحذركم من عذابه فى الدنيا، { وَأَعْلَمُ مِنَ ٱللَّهِ } فى نزول العذاب بكم، { مَا لاَ تَعْلَمُونَ } [آية: 62] أنتم.
وذلك أن قوم نوح لم يسمعوا بقوم قط عذبوا، وقد سمعت الأمم بعدهم بنزول العذاب على قوم نوح، ألا ترى أن هوداً قال لقومه:{ وَٱذكُرُوۤاْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَآءَ مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ } [الأعراف: 69]، وقال صالح لقومه:{ وَٱذْكُرُوۤاْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَآءَ مِن بَعْدِ } هلاك{ عَادٍ } [الأعراف: 74]، وحذر شعيب قومه، فقال: { أَن يُصِيبَكُم } من العذاب{ مِّثْلُ مَآ أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِّنكُم بِبَعِيدٍ } [هود: 89]، فمن ثم قال نوح لقومه: أعلم ما لا تعلمون.
فقال بعضهم لبعض: الكبراء للضعفاء: ما هذا إلا بشر مثلكم، أفتتبعونه؟ فرد عليهم نوح: { أَوَ عَجِبْتُمْ أَن جَآءَكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ } ، يعنى بيان من ربكم، { عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنْكُمْ } ، يعنى نفسه، { لِيُنذِرَكُمْ } العذاب فى الدنيا، { وَلِتَتَّقُواْ } الشرك وتوحدوا ربكم، { وَلَعَلَّكُمْ } ، يعنى لكى { تُرْحَمُونَ } [آية: 63]، فلا تعذبوا.
{ فَكَذَّبُوهُ } فى العذاب أنه ليس بنازل بنا، يقول الله: { فَأَنجَيْنَاهُ } ، يعنى نوحاً، { وَٱلَّذِينَ مَعَهُ } من المؤمنين، { فِي ٱلْفُلْكِ } ، يعنى السفينة من الغرق برحمة منا، { وَأَغْرَقْنَا ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَآ } ، يعنى نزول العذاب، { إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً عَمِينَ } [آية: 64]، عموا عن نزول العذاب بهم، وهو الغرق.