قوله: { يَسْأَلُكَ ٱلنَّاسُ عَنِ ٱلسَّاعَةِ }: جائز أن يكون السؤال عنها ما ذكر في آية أخرى حيث قال:{ يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلسَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَٰهَ } [الأعراف: 187] وعن قيامها فقال: { قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ ٱللَّهِ }. ففيه دلالة إثبات رسالة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه حين سئل عنها، فوض أمرها وعلمها إلى الله، على ما أمر به، ولو كان غير رسول الله - لكان يجيبهم - علم أو لم يعلم - على ما يفعله طلاب الرياسة، بل قال: { عِلْمُهَا عِندَ ٱللَّهِ }؛ دل أنه رسول الله، فبلغ إليهم ما أمر بالتبليغ إليهم. وقوله: { وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ ٱلسَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً }. هذا يخرج على الوعيد والتحذير، وهو يخرج على وجهين: أحدهما: كأنه يقول: اعلم أن الساعة تكون قريباً؛ على الإيجاب؛ لأن { لَعَلَّ } من الله واجب؛ فهو وكل ما هو آتٍ فهو كالكائن. والثاني: على الترجي، أي: اعملوا على رجاء أنه قريب، والله أعلم. وقوله: { إِنَّ ٱللَّهَ لَعَنَ ٱلْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً }. لعنهم، أي: طردهم عن رحمته؛ لما علم أنهم يختارون الكفر على الإيمان ويختمون عليه. { وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً * خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً }. قوله: { خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً } ينقض على الجهمية قولهم، وعلى أبي الهذيل العلاف. أما على الجهمية؛ لأنهم يزعمون أن الجنة والنار تفنيان ولهما النهاية، وقالوا: لأنا لو لم نجعل لهما النهاية والغاية، لخرجتا عن علم الله؛ لأن الشيء الغير المتناهي خارج عن علمه؛ لكن هذا بعيد، جهل منهم بربهم؛ لأن علمه بالشيء الغير المتناهي: أنه غير متناه، وعلمه بالمتناهي: أنه متناه، ولا يجوز أن يخرج شيء عن علمه متناهياً كان أو غير متناه، وبالله العصمة. وأمّا العلاف؛ فلأنه يقول: إن أهل الجنة وأهل النار يصيرون بحال في وقت ما حتى إذا أراد الله أن يزيد لأحد منهم لذة أو نعمة أو عذابا - لم يملك عليه، أو كلام نحو هذا؛ فنعوذ بالله من السرف في القول على الله. وقوله: { لاَّ يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً }. مما طمعوا في الدنيا ورجوا من كثرة الأسباب والحواشي، أو عبادة الأصنام وغيرها أن ينفعهم ذلك وينصرهم في الآخرة؛ بل ضل عنهم ذلك وحرموا؛ على ما أخبر:{ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } [الأعراف: 53]، والله أعلم. وقوله: { يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي ٱلنَّارِ }. وقال في آية أخرى:{ ٱلَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ } [الفرقان: 34]، وأصله ما ذكر في قوله:{ أَفَمَن يَمْشِي مُكِبّاً عَلَىٰ وَجْهِهِ أَهْدَىٰ أَمَّن يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } [الملك: 22]: يفعل بهم في الآخرة على ما كانوا في الدنيا. وقوله: { يَقُولُونَ يٰلَيْتَنَآ أَطَعْنَا ٱللَّهَ وَأَطَعْنَا ٱلرَّسُولاَ }. لا يزال الكفرة قائلين لهذا القول مترددين له في الآخرة؛ لما رأوا من العذاب حين حل بهم { يٰلَيْتَنَآ أَطَعْنَا ٱللَّهَ وَأَطَعْنَا ٱلرَّسُولاَ }: الرسول المطلق: رسول الله والسبيل المطلق: هو دين الله، هو المعروف في القرآن.