ثم قال الله تعالى: { إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ ٱلْقَصَصُ ٱلْحَقُّ } يعني ما [أُخْبِرُوا] من أمر عيسى عليه السلام هو الخبر الحق يعني أنه كان عبدَ الله ورسولَه. ويقال: هذا القرآن هو الحق: { وَمَا مِنْ إِلَـٰهٍ إِلاَّ ٱللَّهُ } لا شريك له { وَإِنَّ ٱللَّهَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } العزيز في ملكه، الحكيم في أمره حكم بخلق عيسى في بطن أمه من غير أب. { فَإِن تَوَلَّوْاْ } يقول: أَبَوْا، ولم [يسْلموا] { فَإِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ بِٱلْمُفْسِدِينَ } يجازيهم بذلك، وهذه كلمة تهديد { قُلْ يٰ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ تَعَالَوْاْ إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ } يعني كلمة عدل بيننا وبينكم. ويقال في قراءة عبد الله بن مسعود: " إلى كلمة عدل بيننا وبينكم " يعني، لا إِله إِلاَّ الله وهي كلمة الإخلاص ويقال: إلى كلمة تسوي بيننا وبينكم، فتصير دماؤكم كدمائنا، وأموالكم كأموالنا، { أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ ٱللَّهَ } يعني ألا نُوَحِّد إِلا الله { وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً } من خلقه { وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مّن دُونِ ٱللَّهِ } لأنهم اتخذوا عيسى رباً من دون الله ويقال: لا يطيع بعضنا بعضاً في المعصية كما قال:{ ٱتَّخَذُوۤاْ أَحْبَـٰرَهُمْ وَرُهْبَـٰنَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ ٱللَّهِ } [سورة التوبة: 31] أي أطاعوهم في المعصية، ويقال: لا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً كما قالت النصارى إن الله ثالثُ ثلاثة { فَإِن تَوَلَّوْاْ } يعني أبوا عن التوحيد { فَقُولُواْ } لهم يا معشر المسلمين { ٱشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ } أي مخلصون لله بالعبادة والتوحيد ييٰأَهْلَ ٱلْكِتَـٰبِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِى إِبْرٰهِيمَ } وذلك أن اليهود والنصارى كانوا اجتمعوا في [بيت] مدرسة اليهود، وكل فريق يقول: كان إبراهيم منا، وكان على ديننا فنزل { يٰأَهْلَ ٱلْكِتَـٰبِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرٰهِيمَ } أي لِمَ تخاصمون في دين إبراهيم { وَمَا أُنزِلَتِ ٱلتَّورَاةُ وَٱلإِْنْجِيلُ إِلاَّ مِن بَعْدِهِ } يعني من بعد إبراهيم - عليه السلام - ولكن اليهودية والنصرانية إنما سميت بهذا الإسم بعد نزول التوراة والإنجيل. وقال الكلبي: نزلت في شأن النفر الذين كانوا بالحبشة من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فهم جعفر الطيار وغيره [كما قال الله تعالى: { ٱتَّخَذُواْ أَحْبَـٰرَهُمْ وَرُهْبَـٰنَهُمْ أَرْبَاباً } أي أطاعوهم في المعصية] [وكانت] بينهم وبين أحبار الحبشة مناظرة في ذلك [الوقت] فنزلت هذه الآية. وقال الزجاج: هذه الآية أبين [الحجج] على اليهود والنصارى [بأن] التوراة والإنجيل أنزلا من عبده، وليس [فيهما] اسم لواحد من الأديان واسم الإسلام في كل كتاب وهو قوله: { لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرٰهِيمَ وَمَا أُنزِلَتِ ٱلتَّورَاةُ وَٱلإِْنْجِيلُ إِلاَّ مِن بَعْدِهِ } { أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } يقول: أليس لكم ذهن الإنسانية أن تنظروا فيما تقولون. { هـٰأَنتُمْ هَـٰؤُلآءِ حَـٰجَجْتُمْ } يقول أنتم يا هؤلاء خاصمتم { فِيمَا لَكُم بِهِ عِلمٌ } في صفة محمد - صلى الله عليه وسلم - فتجدونه في كتبكم - { فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ } يقول: ما ليس في كتابكم، وهو أمر إبراهيم - عليه السلام - { ٱللَّهُ يَعْلَمُ } أن إبراهيم كان على دين الإسلام { وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } ذلك.