{ وَإِذَا جَآءُوكُمْ } مدعين المحبة لكم ولدينكم؛ مداهنةً ونفاقاً، حيث { قَالُوۤاْ آمَنَّا } بنبيكم، وبما جاء به من عند ربه، لا تبالوا بهم وبإيمانهم، ولا تصاحبوا معهم { وَ } الحال أنهم { قَدْ دَّخَلُواْ } عليكم متلبسين { بِٱلْكُفْرِ } والإصرار { وَهُمْ } أيضاً { قَدْ خَرَجُواْ بِهِ } بل زادوا إصراراً وعناداً، وإن أظهروا خلافه { وَٱللَّهُ } المطلع لضمائر عباده { أَعْلَمُ بِمَا كَانُواْ يَكْتُمُونَ } [المائدة: 61] من الكفر والنفاق، وبغض رسول الله الذين آمنوا معه.
{ وَتَرَىٰ } أيها الرائي { كَثِيراً مِّنْهُمْ } أي: من اليهود والنصارى { يُسَارِعُونَ } ويبادرون { فِي ٱلإِثْمِ } أي: الخصلة الذميمة عقلاً وشرعاً { وَٱلْعُدْوَانِ } أي: التجاوز عن الحدود الشرعية { وَ } خصوصاً { أَكْلِهِمُ ٱلسُّحْتَ } أي: الحرام { لَبِئْسَ } أي: بئس شيئاً { مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [المائدة: 62] ويكسبون لأنفسهم من الأمور التي تستجلب العذاب والنكال.
{ لَوْلاَ } هلاَّ { يَنْهَاهُمُ } ويمنعهم { ٱلرَّبَّانِيُّونَ وَٱلأَحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ ٱلإِثْمَ } افتراءً على الله، وعلى كتابه { وَأَكْلِهِمُ ٱلسُّحْتَ } زاعمين إباحته { لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ } [المائدة: 63] لبئس شيئاً يصنعونه لأنفسهم برأيهم الفاسد، وعقلهم القاصر الكاسد.
{ وَ } من غاية جهلهم بالله، ونهاية غفلتهم عن مقتضيات أوصافه { قَالَتِ ٱلْيَهُودُ يَدُ ٱللَّهِ مَغْلُولَةٌ } مقبوضة، يقتر بالرزق حين فقدوا البسطة والرخاء الذي كانوا فيه قبل تكذيبهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال سبحانه؛ دعاءً عليهم: { غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ } عن جميع الخيرات والمبرَّات بضرب الذلة والمسكنة عليهم في الدنيا، وفي الآخرة بالأغلال والسلاسل يسحبون بها إلى الجحيم.
{ وَ } أعظم منه أنهم { لُعِنُواْ } طُردوا عن مرتبة الإنسانية { بِمَا قَالُواْ } على ما قالوا على الله الجواد، الكريم ما لا يليق بجنابه { بَلْ يَدَاهُ } أي: أوصافه اللطفية والقهرية { مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَآءُ } ويتعلق إرادته لمن يشاء؛ لطفاً وجوداً، ويمنع عمَّن يشاء قهراً وعدلاً { وَ } الله { لَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِّنْهُم } حقداً وحسداً من { مَّآ أُنزِلَ إِلَيْكَ } يا أكمل الرسل؛ إنعاماً وإفضالاً لك { مِن رَّبِّكَ طُغْيَاناً } اجتراء وظلماً على الله، لا يليق بجنابه { وَكُفْراً } إصراراً وتشدداً على ما هم عليه من الشرك والعناد.
{ وَ } بسبب طغيانهم وكفرهم { أَلْقَيْنَا } وأوقعنا { بَيْنَهُمُ ٱلْعَدَاوَةَ وَٱلْبَغْضَآءَ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ } لا ينفقون، ولا يوافقون أصلاً، بل { كُلَّمَآ أَوْقَدُواْ نَاراً لِّلْحَرْبِ } مع المسلمين وصمموا العزم نحوه { أَطْفَأَهَا ٱللَّهُ } بإيقاع المخالفة والعداوة بينهم { وَ } بالجملة: هم { يَسْعَوْنَ فِي ٱلأَرْضِ } دائماً، مستمرين { فَسَاداً } أي: لأجل الفساد، وإثارة الفتن { وَٱللَّهُ } المصلح لأحوال عباده { لاَ يُحِبُّ ٱلْمُفْسِدِينَ } [المائدة: 64] المعاندين منهم، المجترئين على الله وعلى رسوله؛ مكابرةً وعناداً.