قوله تعالى: { وَقَالَ رَبُّكُـمْ ٱدْعُونِيۤ أَسْتَجِبْ لَكُمْ } الآية روى النعمان بن بشير قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " الدعاء هو العبادة " ثم قرأ { وَقَالَ رَبُّكُـمْ ٱدْعُونِيۤ أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ } قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. فدل هذا على أن الدعاء هو العبادة. وكذا قال أكثر المفسرين وأن المعنى: وحِّدوني واعبدوني أتقبل عبادتكم وأغفر لكم. وقيل: هو الذكر والدعاء والسؤال. قال أنس: قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: " ليسأل أحدكم ربه حاجته كلها حتى يسأله شِسْع نعله إذا انقطع " ويقال الدعاء: هو ترك الذنوب. وحكى قتادة أن كعب الأحبار قال: أعطيَتْ هذه الأمة ثلاثاً لم تُعْطهن أمة قبلهم إلا نبيّ: كان إذا أرسل نبيّ قيل له أنت شاهد على أمتك، وقال تعالى لهذه الأمة:{ لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ } [البقرة: 143] وكان يقال للنبيّ: ليس عليك في الدين من حرج، وقال لهذه الأمة:{ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكمْ فِي ٱلدِّينِ مِنْ حَرَجٍ } [الحج: 78] وكان يقال للنبيّ ادعني أستجب لك، وقال لهذه الأمة: «ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ». قلت: مثل هذا لا يقال من جهة الرأي. وقد جاء مرفوعاً رواه ليث عن شهر بن حَوْشَب عن عبادة بن الصامت، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " أعطِيت أمتي ثلاثاً لم تُعطَ إلا للأنبياء كان الله تعالى إذا بعث النبيّ قال ادعني أستجب لك وقال لهذه الأمة: «ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ» وكان الله إذا بعث النبيّ قال: ما جعل عليك في الدين من حرج وقال لهذه الأمة: { وَمَا جَعَلَ عَلَيْكمْ فِي ٱلدِّينِ مِنْ حَرَجٍ } [الحج: 78] وكان الله إذا بعث النبيّ جعله شهيداً على قومه وجعل هذه الأمة شهداء على الناس " ذكره الترمذي الحكيم في «نوادر الأصول». وكان خالد الربعي يقول: عجيب لهذه الأمةٰ قيل لها: «ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ» أمرهم بالدعاء ووعدهم الاستجابة وليس بينهما شرط. قال له قائل: مثل ماذا؟ قال: مثل قوله تعالى:{ وَبَشِّرِ ٱلَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } [البقرة: 25] فهاهنا شرط، وقوله:{ وَبَشِّرِ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ } [يونس: 2] فليس فيه شرط العمل ومثل قوله: { فَٱدْعُواْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ } فهاهنا شرط، وقوله تعالى: { ٱدْعُونِيۤ أَسْتَجِبْ لَكُمْ } ليس فيه شرط. وكانت الأمة تفزع إلى أنبيائها في حوائجها حتى تسأل الأنبياء لهم ذلك. وقد قيل: إن هذا من باب المطلق والمقيد على ما تقدّم في «البقرة» بيانه. أي «أَسْتَجِبْ لَكُمْ» إن شئت كقوله:{ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَآءَ } [الأنعام: 41]. وقد تكون الاستجابة في غير عين المطلوب على حديث أبي سعيد الخدري على ما تقدّم في «البقرة» بيانه فتأمله هناك.