الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلنَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِٱلْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُوْلُواْ ٱلأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ ٱللَّهِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُهَاجِرِينَ إِلاَّ أَن تَفْعَلُوۤاْ إِلَىٰ أَوْلِيَآئِكُمْ مَّعْرُوفاً كَانَ ذَلِكَ فِي ٱلْكِتَابِ مَسْطُوراً }

فالمعنى: إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم أَوْلَى بالمؤمنين جميعاً من أنفسهم فما بالكم بزيد؟ إذن: لستُم أحنَّ على زيد من الله، ولا من رسول الله، وإذا كنتم تنظرون إلى الوسام الذي نُزِع من زيد حين صار زيد ابن حارثة بعد أنْ كان زيدَ بن محمد. فلماذا تُغمِضون أعينكم عن فضل أعظم، ناله زيد من الله تعالى حين ذُكِر اسمه صراحة في قرآنه وكتابه العزيز الذي يُتْلَى ويُتعبَّد بتلاوته إلى يوم القيامة، فأيُّ وسام أعظم من هذا؟ فقوله تعالى:فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا } [الأحزاب: 37] قَوْل خالد يَخلُد معه ذِكْر زيد، وهكذا عوَّض الله زيداً عما فاته من تغيير اسمه. وقوله تعالى: { ٱلنَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِٱلْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ.. } [الأحزاب: 6] ما المراد بهذه الأولوية من النبي صلى الله عليه وسلم؟ قالوا: هي ارتقاءات في مجال الإحسان إلى النفس، ثم إلى الغير، فالإنسان أولاً يُحسن إلى نفسه، ثم إلى القرابة القريبة، ثم القرابة البعيدة، ثم على الأباعد لذلك يقول صلى الله عليه وسلم: " ابدأ بنفسك، ثم بمَنْ تعول ". ويقولون: أوطان الناس تختلف باختلاف هِمَمها، فرجل وطنه نفسه، فيرى كل شيء لنفسه، ولا يرى نفسه لأحد، ورجل وطنه أبناؤه وأهله، ورجل يتعدَّى الأصول إلى الفروع، ورجل وطنه بلده أو قريته، ورجل وطنه العالم كله والإنسانية كلها. فرسول الله صلى الله عليه وسلم تعدَّى خيره إلى الإنسانية كلها على وجه العموم، والمؤمنين على وجه الخصوص لذلك " كان صلى الله عليه وسلم إذا مات الرجل من أمته وعليه دَيْن، وليس عنده وفاء لا يُصلِّي عليه ويقول: " صَلُّوا على أخيكم ". والنظرة السطحية هنا تقول: وما ذنبه إنْ مات وعليه دَيْن؟ ولماذا لم يُصَلِّ عليه الرسول؟ قالوا: لم يمنع الرسولُ الصلاة عليه وقال: صَلُّوا على أخيكم لأنه قال في حديث آخر: " مَنْ أخذ أموال الناس يريد أداءها - لم يَقُل أدّاها - أدى الله عنه ". أما وقد مات دون أنْ يؤدي ما عليه، فغالب الظن أنه لم يكُنْ ينوي الأداء لذلك لا أصلي عليه، فلما نزل قوله تعالى: { ٱلنَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِٱلْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ.. } [الأحزاب: 6] صار رسول الله يتحمل الدَّيْن عمَّنْ يموت من المسلمين وهو مدين، ويؤدي عنه رسول الله، وهذا معنى { ٱلنَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِٱلْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ.. } [الأحزاب: 6] فالنبي أَوْلى بالمسلم من نفسه. ثم ألم يَقُلْ سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أمام عمر: " لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبَّ إليه من: نفسه، وماله، والناس أجمعين " ولصدْق عمر - رضي الله عنه - مع نفسه قال: نعم يا رسول الله، أنت احبُّ إليَّ من أهلي ومالي، لكن نفسي.

السابقالتالي
2 3 4