الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى ٱلصَّلاةِ فٱغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى ٱلْمَرَافِقِ وَٱمْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى ٱلْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَٱطَّهَّرُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَىۤ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَآءَ أَحَدٌ مِّنْكُمْ مِّنَ ٱلْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَلَمْ تَجِدُواْ مَآءً فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً فَٱمْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِّنْهُ مَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَـٰكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }

قوله عزّ وجلّ: { يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى ٱلصَّلوٰةِ } ، أي: إذا أردتُمُ القيامَ إلى الصلاةِ كقوله تعالى:فَإِذَا قَرَأْتَ ٱلْقُرْءَانَ فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ } [النحل: 98] أي: إذا أردتَ القراءةَ. وظاهر الآية يقتضي وجوب الوضوء عند كلّ مرّة يريد القيام إلى الصَّلاة، لكن أُعلمنا ببيان السنّة وفعل النبي صلى الله عليه وسلم أنّ المرادَ من الآية: { إِذَا قُمْتُمْ إِلَى ٱلصَّلوٰةِ } وأنتم على غير طُهر، قال النبيّ: " لا يقبلُ اللَّهُ صلاةَ أحدكم إذا أحدثَ حتى يتوضأ " وقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم يوم الخندق بين أربع صلوات بوضوء واحد. أخبرنا أبو القاسم عبد الله بن محمد الحنيفي أنا أبو الحارث طاهر بن محمد الظاهري أنا أبو محمد الحسن بن محمد بن حليم أنا أبو الموجَّه محمد بن عمرو بن الموجَّه أنا عبدان أنا سفيان عن علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن أبيه. أنّ النبي صلى الله عليه وسلم صلّى يومَ فتحِ مكةَ الصلواتِ بوضوءٍ واحد، ومسح على خُفّيه. وقال زيد بن أسلم: معنى الآية إذا قمتم إلى الصلاة من النوم. وقال بعضهم: هو أمر على طريق النّدب، ندب لمن قام إلى الصلاة أن يجدّد لها طهارته وإن كان على طُهر، روى ابن عمر رضي الله عنهما أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: " مَنْ توضأ على طُهرٍ كتب اللَّهُ له عشرَ حسناتٍ " ورُوي عن عبد الله بن حنظلة بن أبي عامر " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بالوضوء عند كلِّ صلاةٍ طاهراً أو غير طاهر، فلمّا شقَّ ذلك عليه أمر بالسِّواك لكلِّ صلاةٍ " وقال بعضهم: هذا إعلام من الله سبحانه وتعالى لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا وضوء عليه إلاّ إذا قام إلى الصلاةِ دون غيرها من الأعمال، فأذن له أن يفعل بعد الحدث ما بَدَا له من الأفعال غير الصلاة، أخبرنا أبو القاسم الحنيفي أنا أبو الحارث الطاهري أنا الحسن بن محمد بن حليم أنا أبو الموجه أنا صدقة أنا ابن عُيينة عن عمرو بن دينار سمع سعيد بن الحويرث " سمع ابن عباس رضي الله عنهما يقول: كنّا عند النبي صلى الله عليه وسلم فرجع من الغائط فأُتيَ بطعامٍ فقيل له: ألا تتوضأ؟ «فقال: لِمَ؟ أأصلِّ فأتوضأ؟» " قوله عزّ وجلّ: { فٱغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ } ، وحدُّ الوجه من مَنَابِتِ شعر الرأس إلى مُنتهى الذقن طولاً وما بين الأذنين عرضاً يجب غسل جميعه في الوضوء، ويجب أيضاً إيصالُ الماء إلى ما تحت الحاجبين وأهداب العينين والشارب والعذار أو العنفقة وإن كانت كثيفة وأمّا العارض واللحية فإن كانت كثيفة لا تُرى البشرة من تحتها لا يجب غسل باطنها في الوضوء، بل يجب غسل ظاهرها.

السابقالتالي
2 3 4