الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى ٱلصَّلاةِ فٱغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى ٱلْمَرَافِقِ وَٱمْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى ٱلْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَٱطَّهَّرُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَىۤ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَآءَ أَحَدٌ مِّنْكُمْ مِّنَ ٱلْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَلَمْ تَجِدُواْ مَآءً فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً فَٱمْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِّنْهُ مَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَـٰكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }

{ يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى ٱلصَّلاةِ فٱغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى ٱلْمَرَافِقِ وَٱمْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى ٱلْكَعْبَينِ } لما كان من جملة الإيفاء بالعقود التي افتتحت به هذه السورة إقامة الصلاة، وكانت مشروطة بالطهارة، بيّن سبحانه في هذه الآية كيفيتها.

قال بعض المفسرين: نزلت في عبد الرحمن وكان جريحاً. وقيل: لما احتبس صلى الله عليه وسلم في سفرٍ ليلاً - بسبب عقدٍ ضاع لعائشة، وأصبحوا على غير ماء. انتهى.

والثاني رواه البخاريّ - كما في (أسباب النزول) للسيوطيّ - وقد قدمنا الكلام على ذلك في سورة النساء في (آية التيمم) ثمة. فانظره.

ولهذه الآية ثمرات هي أحكام شرعية

الأولى: وجوب الوضوء وقت القيام إلى الصلاة، أي: إرادته. فقوله تعالى: { إِذَا قُمْتُمْ إِلَى ٱلصَّلاةِ }. كقوله:فَإِذَا قَرَأْتَ ٱلْقُرْآنَ فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ } [النحل: 98]. وكقولك: إذا ضربت غلامك فهوّن عليه، في أن المراد إرادة الفعل. قال الزمخشريّ: فإن قلت: لم جاز أن يعبر عن إرادة الفعل بالفعل؟ قلت: لأن الفعل يوجد بقدرة الفاعل عليه وإرادته له، وهو قصده إليه وميله وخلوص داعيه. فكما عبر عن القدرة على الفعل بالفعل في قولهم: الإنسان لا يطير، والأعمى لا يبصر، أي: لا يقدران على الطيران والإبصار، ومنه قوله تعالى:نُّعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَآ إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ } [الأنبياء: 104]، يعني: إنا كنا قادرين على الإعادة. كذلك عبر عن إرادة الفعل بالفعل، وذلك لأن الفعل مسبب عن القدرة والإرادة، فأقيم المسبب مقام السبب للملابسة بينهما. ولإيجاز الكلام ونحوه، من إقامة المسبب مقام السبب، قولهم: كما تدين تدان. عَبّر عن الفعل المبتدأ - الذي هو سبب الجزاء - بلفظ الجزاء الذي هو مسبب عنه.

الثانية: ظاهر الآية وجوب الوضوء على كل قائمٍ إلى الصلاة وإن لم يكن محدثاً، نظراً إلى عموم: { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } من غير اختصاص بالمحدثين. والجمهور على خلافه لِما روى الإمام أحمد ومسلم وأهل السنن عن بريدة قال: " كان النبيّ صلى الله عليه وسلم يتوضأ عند كل صلاة، فلما كان يوم الفتح توضأ ومسح على خفيه وصلى الصلوات بوضوء واحد، فقال: له عمر: يا رسول الله، إنك فعلت شيئاً لم تكن تفعله. قال: " إني عمداً فعلته يا عمر " وروى البخاريّ عن سويد بن النعمان قال: " خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، عام خيبر حتى إذا كنا بالصهباء صلى بنا صلى الله عليه وسلم العصر. فلما صلى دعا بالأطعمة، فلم يؤت إلا بالسويق، فأكلنا وشربنا. ثم قام النبيّ صلى الله عليه وسلم إلى المغرب، فمضمض ثم صلى بنا المغرب ولم يتوضأ " وروى الإمام أحمد وأبو داود عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر، وقد سئل عن وضوء أبيه عبد الله، لكل صلاة، طاهرا أو غير طاهر، عمن هو؟ قال: حدثته أسماء بنت زيد بن الخطاب؛ أنّ عبد الله بن حنظلة بن الغسيل حدثها؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أُمر بالوضوء لكل صلاة طاهراً أو غير طاهر، فلما شقّ ذلك عليه أمِر بالسواك عند كل صلاة، ووُضع عنه الوضوء إلا من حدث.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد