قال الله تعالى: { مَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ } أي: خلقاً ملتبساً بالحكمة. وقال الكلبي: إلا للحق. قوله تعالى: { وَأَجَلٍ مُّسَمًّى } أي: ما خلقنا ذلك إلا بالحق وبتقدير أجل مسمى ينتهي إليه، وهو يوم القيامة. و " ما " في قوله: { عَمَّآ أُنذِرُواْ } موصولة أو مصدرية، بمعنى: عن إنذارهم ذلك اليوم. وما بعده مُفسّر في فاطر إلى قوله: { ٱئْتُونِي بِكِتَابٍ مِّن قَبْلِ هَـٰذَآ } أي: من قبل هذا القرآن فيه برهان ما تدعون، { أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ }. قال ابن عباس، ويروى مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم: " أو أثارة من علم ": الخط. وقال مجاهد: بقيةٌ من علم تأثرونه عن غيركم. قال الزمخشري: هو من قولهم: سمنت الناقة على أثارة من شحم، أي: على بقية من شحم كانت بها من شحم [ذاهب]. وقال الحسن: أو أثارة شيء تستخرجونه وتثيرونه. وقرأ علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأبي بن كعب وأبو عبدالرحمن السلمي والحسن وقتادة: " أَثْرَةٍ " بسكون الثاء، على وزن قَطْرَة. وقرأ ابن مسعود وأبو رزين وابن عباس بخلاف عنه، وعكرمة وعمرو بن ميمون: " أثَرَة " ، مثل: شَجَرَة. قال أبو الفتح ابن جني: الأَثَرَة والأَثَارَة التي تقرأ بها العامة: البقية، وما يؤثر. وهي من قولهم: أَثَرَ الحديث يَأْثُرُه أثْراً وأَثَرَة. وأما الأثْرَة ساكنة الثاء فهي أبلغ معنى؛ وذلك أنها الفعْلَة الواحدة من هذا الأصل، فهي كقولك: ائتوني بخبر واحد، أو حكاية [شاذة]، أي: قد قنعت منكم في الاحتجاج بهذا على [قلّته]. وقال الزمخشري: قرئ: " أثَرَة " -يريد: بفتح الثاء- أي: من شيء أوثرتم به وخصصتم من علمه لا إحاطة به لغيركم. قلتُ: وهو معنى قول ميمون وقتادة وأبي سلمة بن عبدالرحمن: خاصة من علم. قال: وقرئ: " أثرة " بالحركات الثلاث في الهمزة مع سكون الثاء، فالإثْرة -بالكسر- بمعنى: الأَثْرة. وأما الأثرة فالمرة من مصدر: [أثَرَ] الحديث إذا رَوَاهُ. وأما الأُثْرة -بالضم-: فاسم ما يؤثر، كالخطبة: اسم ما يخطب [به]. قوله تعالى: { وَمَنْ أَضَلُّ } أي: أشد ضلالاً { مِمَّن يَدْعُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَن لاَّ }. وقرأ ابن مسعود: " ما لا ". { يَسْتَجِيبُ لَهُ } يريد: الأصنام؛ لأن " ما " لمن لا يعقل. ويجوز أن يراد على قراءة العامة: كل من عُبدَ من دون الله من الجن والإنس والأصنام، فغلب ما يعقل. وقيل: ويجوز أن يراد الأصنام وحدها، فأجريت مجرى من يعقل لوصفهم إياها بذلك. والجائز الثاني أظهر وأشهر في التفسير، على أن " ما " و " من " يتعاقبان. { وَهُمْ عَن دُعَآئِهِمْ غَافِلُونَ } في محل الحال. { وَإِذَا حُشِرَ ٱلنَّاسُ } يعني: يوم القيامة { كَانُواْ لَهُمْ أَعْدَآءً } يتبرؤون منهم { وَكَانُواْ بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ } جاحدين.