قوله: { وَلاَ تُؤْتُواْ ٱلسُّفَهَآءَ أَمْوَالَكُمُ } والسُّفَهَاء: الجَهَلَة، وهذا نهي للإنسان أن يدفع ماله الذي خوَّله الله إياه وجعله قِواماً لمعيشته، إلى من لا يقوم باستصلاحه من النساء والأطفال، والمُبَذِّرين من الأولاد. وكان السلف يقولون: المال سلاح المؤمن. وكانوا يقولون: اتجروا واكتسبوا، فإنكم في زمان إذا احتاج أحدكم، كان أول ما يأكل دينه. وكان سفيان الثوري يقلب بضاعته ويقول: لولاك لَتَمَنْدَلَ بي بنو العباس. وقيل: هو خطاب لأولياء الأيتام، والسفهاء المحجور عليهم، وأضاف الأموال إلى الأولياء لأنهم قُوَّامُها، أو لأنها الجنس الذي جعله الله أموالاً للناس؛ كقوله:{ مِّن فَتَيَٰتِكُمُ ٱلْمُؤْمِنَٰتِ } [النساء: 25]. { ٱلَّتِي جَعَلَ ٱللَّهُ لَكُمْ قِيَٰماً } قرأ الحسن: " اللاتي " ، وهي بمعنى " التي ". وقرأ نافع وابن عامر: " قِيَماً " بغير ألف. وقرأ الباقون: بألف. وقرئ شاذاً: " قواماً " بفتح القاف وكسرها على الأصل، والأكثرون قلبوا الواو ياءاً لانكسار ما قبلها، مثل: صيام وقيام. والمعنى في الجميع واحد، أي: تقوم بها أموركم ومعائشكم. قال ابن قتيبة: يقال: هذا قُوَام أمرك وقِيَام أمرك، أي: ما يقوم به. وقال الأخفش: قياماً وقُوَاماً وقِيَماً وقُوَماً: واحد، وجميعها مصادر. وقال قوم: القيم جمع قيمة كديمة وديم، فالدراهم والدنانير قيم الأشياء. واختار الزجاج هذا القول فقال: مَن قرأ: " قيما " ، فالمعنى: أموالكم التي جعلها الله قيماً للأشياء، فبها تقوم أموركم. قال أبو علي: وليس هذا بشيء. وقال الضحاك في معنى الآية بها: الحج، والجهاد، وأعمال البر، وفك الرقاب من النار. وهذا يندرج تحت عموم ما قاله غيره. { وَٱرْزُقُوهُمْ فِيهَا } أي: منها، والرزق من العباد هو: الإجراء الموظف. { وَٱكْسُوهُمْ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً } أي: ليّناً تطيب به قلوبهم من عِدَةٍ جميلة، أو رَدٍ حسن. قوله: { وَٱبْتَلُواْ ٱلْيَتَامَىٰ } سبب نزولها: أن رفاعة قال: يا رسول الله؛ إن ابن أخي يتيم في حجري ، فما يحل لي من ماله ، ومتى أدفعه إليه؟ فأنزل الله هذه الآية. والمعنى: اختبروا عقول اليتامى بالنظر في تصرفهم قبل البلوغ. { حَتَّىٰ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ } أي: وصلوا إلى حال النكاح من الاحتلام وإنزال الماء. { فَإِنْ آنَسْتُمْ مِّنْهُمْ رُشْداً } أي: علمتم وأبصرتم، ومنه:{ آنَسَ مِن جَانِبِ ٱلطُّورِ نَاراً } [القصص: 29] أي: أَبْصَرَ. والرُّشْد: الصلاح في العقل، وحفظ المال، فمتى بلغ عاقلاً مصلحاً لماله، انْفَكَّ الحَجْر عنه، وهو مذهب إمامنا وأبي حنيفة وأصحابه. وذهب قوم إلى أن الرشد: الصلاح في الدين والمال، منهم: الحسن، وربيعة، ومالك، والشافعي. وعن ابن عباس: كالمذهبين. فصل قد دلت هذه الآية على أن لرفع الحَجْر عن اليتيم شرطين: أحدهما: البُلُوغ. الثاني: الرُّشْد. فأما البلوغ فإنه يكون بواحد من خمسة أسباب: ثلاثة يشترك فيها الرجال والنساء.