{ ذَرْهُمْ } أمر إهانة أي اقطع طمعك من ارعوائهم ودعهم عن النهي عما هم عليه والصد عنه بالتذكرة والنصيحة وخلهم { يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ } بدنياهم { وَيُلْهِهِمُ ٱلأَمَلُ } ويشغلهم أملهم وأمانيهم عن الإيمان { فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ } سوء صنيعهم، وفيه تنبيه على أن إيثار التلذذ والتنعم وما يؤدي إليه طول الأمل ليس من أخلاق المؤمنين. { وَمَآ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلاَّ وَلَهَا كِتَـٰبٌ مَّعْلُومٌ } ولها كتاب جملة واقعة صفة لـ { قرية } والقياس أن لا يتوسط الواو بينهما كما في{ وَمَا أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلاَّ لَهَا مُنذِرُونَ } [الشعراء: 208] وإنما توسطت لتأكيد لصوق الصفة بالموصوف إذ الصفة ملتصقة بالموصوف بلا واو فجيء بالواو تأكيداً لذلك. والوجه أن تكون هذه الجملة حالاً لـ { قرية } لكونها في حكم الموصوفة كأنه قيل: وما أهلكنا قرية من القرى لا وصفاً. وقوله: { كتاب معلوم } أي مكتوب معلوم وهو أجلها الذي كتب في اللوح المحفوظ وبين ألا ترى إلى قوله: { مَّا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا } في موضع كتابها { وَمَا يَسْتَـئَخِرُونَ } أي عنه وحذف لأنه معلوم، وأنث الأمة أولاً ثم ذكرها آخراً حملاً على اللفظ والمعنى. { وَقَالُواْ } أي الكفار { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِى نُزِّلَ عَلَيْهِ ٱلذِّكْرُ } أي القرآن { إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ } يعنون محمداً عليه السلام، وكان هذا النداء منهم على وجه الاستهزاء كما قال فرعون{ إِنَّ رَسُولَكُمُ ٱلَّذِى أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ } [الشعراء: 27] وكيف يقرون بنزول الذكر عليه وينسبونه إلى الجنون والتعكيس في كلامهم للاستهزاء والتهكم سائغ ومنه{ فَبَشّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } [آل عمران:21]{ إِنَّكَ لاَنتَ ٱلْحَلِيمُ ٱلرَّشِيدُ } [هود:87] والمعنى إنك لتقول قول المجانين حيث تدعى أن الله نزل عليك الذكر