الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشاف/ الزمخشري (ت 538 هـ) مصنف و مدقق


{ يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى ٱلصَّلاةِ فٱغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى ٱلْمَرَافِقِ وَٱمْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى ٱلْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَٱطَّهَّرُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَىۤ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَآءَ أَحَدٌ مِّنْكُمْ مِّنَ ٱلْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَلَمْ تَجِدُواْ مَآءً فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً فَٱمْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِّنْهُ مَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَـٰكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }

{ إذا قمتم إلى الصلاة } كقولهفَإِذَا قَرَأْتَ ٱلْقُرْءانَ فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ } النحل 98 وكقولك إذا ضربت غلامك فهوّن عليه، في أن المراد إرادة الفعل. فإن قلت لم جاز أن يعبر عن إرادة الفعل بالفعل؟ قلت لأن الفعل يوجد بقدرة الفاعل عليه وإرادته له وهو قصده إليه وميله وخلوص داعيه، فكما عبر عن القدرة عن الفعل بالفعل في قولهم الإنسان لا يطير، والأعمى لا يبصر، أي لا يقدران على الطيران والإبصار. ومنه قوله تعالىنُّعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَـٰعِلِينَ } الأنبياء 104 يعني إنا كنا قادرين على الإعادة، كذلك عبر عن إرادة الفعل بالفعل، وذلك لأنّ الفعل مسبب عن القدرة والإرادة، فأقيم المسبب مقام السبب للملابسة بينهما، ولإيجاز الكلام ونحوه من إقامة المسبب مقام السبب قولهم كما تدين تدان، إن عبر عن الفعل المبتدأ الذي هو سبب الجزاء بلفظ الجزاء الذي هو مسبب عنه. وقيل معنى قمتم إلى الصلاة قصدتموها لأنّ من توجّه إلى شيء وقام إليه كان قاصداً له لا محالة، فعبَّر عن القصد له بالقيام إليه. فإن قلت ظاهر الآية يوجب الوضوء على كل قائم إلى الصَّلاة محدث وغير محدّث، فما وجهه؟ قلت يحتمل أن يكون الأمر للوجوب، فيكون الخطاب للمحدثين خاصة، وأن يكون للندب. وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء بعده/ 336 أنهم كانوا يتوضئون لكل صلاة. وعن النبي صلى الله عليه وسلم 337 " من توضأ على طهر كتب الله له عشر حسنات " وعنه عليه السلام 338 " أنه كان يتوضأ لكل صلاة، فلما كان يوم الفتح مسح على خفيه وصلى الصلوات الخمس بوضوء واحد " ، فقال له عمر صنعت شيئاً لم تكن تصنعه فقال " عمداً فعلته يا عمر " يعني بياناً للجواز؟ فإن قلت هل يجوز أن يكون الأمر شاملاً للمحدثين وغيرهم لهؤلاء على وجه الإيجاب، ولهؤلاء على وجه الندب. قلت لا، لأنَّ تناول الكلمة لمعنيين مختلفين من باب الإلغاز والتعمية. وقيل كان الوضوء لكل صلاة واجباً أوّل ما فرض. ثم نسخ إلى تفيد معنى الغاية مطلقاً. فأمَّا دخولها في الحكم وخروجها، فأمر يدور مع الدليل، فمما فيه دليل على الخروج قولهفَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيْسَرَةٍ } البقرة 280 لأن الإعسار علة الإنذار. وبوجود الميسرة تزول العلة، ولو دخلت الميسرة فيه لكان مُنظراً في كلتا الحالتين معسراً وموسراً. وكذلكثُمَّ أَتِمُّواْ ٱلصّيَامَ إِلَى ٱلَّيْلِ } البقرة 187 لو دخل الليل لوجب الوصال. ومما فيه دليل على أن الدخول قولك حفظت القرآن من أوله إلى آخره لأنّ الكلام مسوق لحفظ القرآن كله. ومنه قوله تعالىمّنَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ إِلَىٰ ٱلْمَسْجِدِ ٱلأَقْصَى } الإسراء 1 لوقوع العلم بأنه لا يسرى به إلى بيت المقدس من غير أن يدخله.

السابقالتالي
2