ثم قال سبحانه تأييداً لنبيه صلى الله عليه وسلم: { لاَ تَحْسَبَنَّ } و لاتظنن يا أكمل الرسل { ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } بالله، وأعرضوا عن توحيده هم صاروا بكفرهم وعنادهم { مُعْجِزِينَ } اللهَ القادرَ المقتدرَ عن أخذهم وإهلاكهم { فِي ٱلأَرْضِ } التي هي مملكة الحق ومحل تصرفاته سبحانه، بل يأخذهم الله الرقيبُ عليهم بظلمهم وبغيهم، ويستأصلهم عن وجه الأرض في النشأة الأولى { وَمَأْوَٰهُمُ ٱلنَّارُ } في النشأة الأخرى { وَ } اللهِ { لَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ } [النور: 57] مصيرهم ومرجعهم. ثم أشار سبحانه إلى تتميم ما مضى من آداب الخلطة والمؤانسة بين المؤمنين، فقال منادياً لهم على وجه العموم؛ ليقبلوا إلى امتثال ما نودوا فقال: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ } من آداب المصاحبة والإخاء هذا { لِيَسْتَأْذِنكُمُ } بالدخول على بيوتكم، ويسترخص منكم أيها المؤمنون خدمتكم { ٱلَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَـٰنُكُمْ } سواءً كانوا عبيداً أو إماءً، وأنتم رجالُ أو نساءُ، ذكرَ الضمير على سبيل التغليب { وَ } كذا الصبيان { ٱلَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُواْ ٱلْحُلُمَ مِنكُمْ } أي: لم يبلغوا وقت الحلم، خُصَّ بالذكر؛ لكونه أقوى أسباب البلوغ إلى وقت التكليف { ثَلاَثَ مَرَّاتٍ } يعني: ليستأذنكم الخَدَمةُ والصبيانُ في ثلاثة أوقات دخولهم: أحدها: { مِّن قَبْلِ صَـلَٰوةِ ٱلْفَجْرِ } إذ هو وقت الانخلاع، والتجرد عن ثياب النوم، والدخول فيه منهي. { وَ } ثانيها: { حِينَ تَضَعُونَ ثِيَـٰبَكُمْ مِّنَ ٱلظَّهِيرَةِ } للاستراحة والقيلولة. { وَ } ثالثها: { مِن بَعْدِ صَلَٰوةِ ٱلْعِشَآءِ } وقت التجرد عن الثياب للنوم، والأوقاتُ المذكورةُ { ثَلاَثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ } لا بدَّ من تحفظكم فيها عما يشوشكم، ويطلع على سركم { لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلاَ عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ } ضيقُ ومنعُ { بَعْدَهُنَّ } أي: بعد الأوقات الثلاث لو دخلوا عليكم بلا إذن منكم؛ إذ هم خَدَمةُ { طَوَٰفُونَ عَلَيْكُمْ } ليخدموكم؛ إذ جُبلتم على أن يظاهر { بَعْضُكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ كَذَلِكَ } أي: مثل ما ذكر { يُبَيِّنُ ٱللَّهُ } المدبرُ لمصالحكم { لَكُمُ ٱلأَيَـٰتِ } الدالةَ على آداب المصاحبة والمؤانسة، { وَٱللَّهُ } المطلعُ لأحوال عباده { عَلِيمٌ } بمصالحهم ومفاسدهم { حَكِيمٌ } [النور: 58] في ضبطها وحفظها؛ بحيث لا يختل أمر النظام المتعارف. { وَ } كذا { إِذَا بَلَغَ ٱلأَطْفَالُ مِنكُمُ ٱلْحُلُمَ } وظهر منهم أمارات الميل والشهوة سواء كانوا ذكوراً أم إناث { فَلْيَسْتَأْذِنُواْ كَمَا ٱسْتَأْذَنَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } من الأحرار البالغين؛ إذ هم حينئذ دخلوا في حكمهم بعد الحلم { كَذٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ } الدالةَ على آداب خلطتكم وحسن معاشرتكم { وَٱللَّهُ } المصلحُ لأحوال عباده { عَلِيمٌ } بما في ضمائرهم من المنكرات { حَكِيمٌ } [النور: 59] في دفعها قبل وقوعها. { وَٱلْقَوَاعِدُ مِنَ } عجائز { ٱلنِّسَآءِ ٱلَّلاَتِي } قعدن عن الحيض والحبل وشهوة الوقاع مطلقاً إلى حيث { لاَ يَرْجُونَ نِكَاحاً } وزواجاً؛ لكبرهن وكهولتهن { فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ } أي: ذنبُ وكراهةُ { أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ } أي: الثياب الظاهرة التي يلبسنها فوق الأستار كالجلباب حال كونهن { غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ } أي: مظهراتٍ { بِزِينَةٍ } مشهيةٍ للرجال، مثيرة لشهواتهم؛ أي: الزينة التي مُنعن من إبدائها في كريمة:{ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ... } [النور: 31] { وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ } عن الوضع { خَيْرٌ لَّهُنَّ } سواء كن عجائز أم شواب؛ لأن العفة أبعد من التهمة في كل الأحوال { وَٱللَّهُ } المطلع لسرائرهن { سَمِيعٌ } لمقالتهن مع الرجال { عِلِيمٌ } [النور: 60] بنياتهن منها.