قوله تعالى: { وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنْكُمْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي ٱلأَرْضِ كَمَا ٱسْتَخْلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ }.
ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أنه وعد الذين آمنوا وعملوا الصالحات من هذه الأمة ليستخلفنّهم في الأرض: أي ليجعلنهم خلفاء الأرض، الذين لهم السيطرة فيها، ونفوذ الكلمة، والآيات تدل على أنّ طاعة الله بالإيمان به، والعمل الصالح سبب للقوّة والاستخلاف في الأرض ونفوذ الكلمة، كقوله تعالى:{ وَٱذْكُرُوۤاْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي ٱلأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ ٱلنَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ } [الأنفال: 26] الآية. وقوله تعالى:{ وَلَيَنصُرَنَّ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ٱلَّذِينَ إِنْ مَّكَّنَّاهُمْ فِي ٱلأَرْضِ أَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ وَآتَوُاْ ٱلزَّكَـاةَ وَأَمَرُواْ بِٱلْمَعْرُوفِ وَنَهَوْاْ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ ٱلأُمُورِ } [الحج: 40ـ41] وقوله تعالى:{ إِن تَنصُرُواْ ٱللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ } [محمد: 7] إلى غير ذلك من الآيات.
وقوله تعالى في هذه الآيات الكريمة: { كَمَا ٱسْتَخْلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } أي كبني إسرائيل.
ومن الآيات الموضحة لذلك: قوله تعالى:{ وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى ٱلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ فِي ٱلأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ ٱلْوَارِثِينَ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي ٱلأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَحْذَرونَ } [القصص: 5ـ6] وقوله تعالى عن موسى عليه السلام وعلى نبيّنا الصلاة والسلام:{ عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ } [الأعراف: 129] وقوله تعالى:{ وَأَوْرَثْنَا ٱلْقَوْمَ ٱلَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ ٱلأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا ٱلَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا } [الأعراف: 137] الآية. إلى غير ذلك من الآيات. وقوله تعالى: { لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ } ، اللام موطئة لقسم محذوف: أي وعدهم الله، وأقسم في وعده ليستخلفنهم.
قوله تعالى: { وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ ٱلَّذِي ٱرْتَضَىٰ لَهُم } هذا الدين الذي ارتضاه لهم هو دين الإسلام بدليل قوله تعالى:{ ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلإِسْلاَمَ دِيناً } [المائدة: 3]. وقوله تعالى:{ إِنَّ الدِّينَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلإِسْلاَمُ } [آل عمران: 19]. وقوله تعالى:{ وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ ٱلإِسْلاَمِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي ٱلآخِرَةِ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ } [آل عمران: 85]. وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: { وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُم }. قال الزمخشري تمكينه هو تثبيته وتوطيده.