قرأ اهل الكوفة وابن عامر { وإن } بكسر الهمزة، وخفف ابن عامر النون وسكنها. وقرأ الباقون بفتح الهمزة مشددة النون. قال قوم: هذا خطاب لعيسى (ع) حكاه الله تعالى، قالوا: وذلك لما جرى ذكره كأنه قال: يا عيسى { كلوا من الطيبات } وقال: آخرون: هو خطاب للنبي (صلى الله عليه وسلم) خاصة خاطبه بلفظ الجمع، كما يقال للرجل الواحد: أيها القوم كفوا عنا. وقال قوم: لما ذكر بعض الانبياء، كأنه قال: وقلنا لهم { يا أيها الرسل كلوا من الطيبات } والأكل تناول الطعام بالفم، ومضغه وابتلاعه. وصورة " كلوا " صورة الأمر، والمراد به الاباحة. وأصل " كلوا " أؤكلوا، فحذفت الهمزة تخفيفاً لكثرة الاستعمال. والمعنى مفهوم، لأنه من الاكل. و { الطيبات } الحلال، وقيل: هو المستلذ. فعلى الوجه الأول يكون أمراً بنفل، لأن تقديره كلوا من الحلال على الوجه الذي يستحق به الحمد. وعلى الثاني يكون على الاباحة، كما قال تعالى{ قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق } وقوله { واعملوا صالحاً } أمر من الله لهم بأن يعملوا الطاعات، واجباتها ونوافلها. والصلاح الاستقامة، على ما تدعو اليه الحكمة. وقال قوم: انما هذا حكاية لما قيل لجميع الرسل. وهو الوجه. وقال آخرون: المعنى وقلنا لعيسى { يا أيها الرسل } على الجمع على ما ذكرناه من المثال. وقوله { وإن هذه أمتكم } موضع { إن } نصب، لان تقديره، ولان { هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون } أي لهذه فاتقون. وقيل: موضعه الجر بالعطف على { بما تعملون عليم }. ومن كسر الهمزة استأنف الكلام. ومعنى الأمة - ها هنا - الملة سماها بذلك للاجماع عليها بأمر الله. وقال الحسن وابن جريج: معنى { وإن هذه أمتكم أمة واحدة } أي دينكم دين واحد. وقيل: جماعتكم جماعة واحدة فى الشريعة التي نصبها الله لكم. ونصب { أمة واحدة } على الحال. وقال الجبائي: معناه { وإن هذه أمتكم أمة واحدة } في أنهم عبيد الله، وخلقه وتدبيره. وقوله { فتقطعوا أمرهم بينهم زبراً } فالزبر الكتب - في قول الحسن وقتادة ومجاهد وابن زيد - وهو جمع زبور، كرسول ورسل. والمعنى تفرقوا كتباً دانوا بها، وكفروا بما سواها، كاليهود دانوا بالتوراة وكفروا بالانجيل، والقرآن. وكالنصارى دانوا بالانجيل وكفروا بالقرآن. ومن قرأ { زبراً } بفتح الباء، وهو ابن عامر فمعناها جماعات، لانه جمع زبرة، وزبر، كبرمة وبرم. وقوله { كل حزب بما لديهم فرحون } أي كل طائفة بما عندها تفرح لاعتقادها بأن الحق معها. فقال الله تعالى لنبيه { فذرهم } يا محمد { في غمرتهم } أي جهلهم وضلالتهم. وقيل: في حيرتهم. وقيل: فى غفلتهم. والمعاني متقاربة { حتى حين } أي حين وقت الموت. وقيل: حين العذاب.