{ وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ } من القرآن { فَصَّلْنَاهُ } بيّناه { عَلَىٰ عِلْمٍ } منّا بذلك { هُدًى وَرَحْمَةً } نصبها على القطع { لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ * هَلْ يَنظُرُونَ } ينتظرون { إِلاَّ تَأْوِيلَهُ } أي ما يؤول إليه أمرهم من العذاب وورود النار. قال قتادة: تأويله ثوابه. وقال مجاهد: جزاؤه. وقال السدي: عاقبة. وقال ابن زيد: حقيقته { يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ ٱلَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَآءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِٱلْحَقِّ فَهَل لَّنَا } اليوم { مِن شُفَعَآءَ فَيَشْفَعُواْ لَنَآ أَوْ نُرَدُّ } إلى الدنيا { فَنَعْمَلَ غَيْرَ ٱلَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ } قال الله تعالى { قَدْ خَسِرُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ } زال وبطل { عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ * إِنَّ رَبَّكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ } قال سعيد بن جبير: قدّر الله على مَنْ في السماوات والأرض في لمحة ولحظة وإنما خلقهن في ستة أيام تتنظيماً لخلقه بالرفق والتثبيت في الاسم { ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ } قال الكلبي ومقاتل: يعني استقر وقال أبو عبيد [فصعد] وقال بعضهم: استولى وغلب. وقيل: ملك وغلب، وكلّها تأويلات مدخولة لا يخفى [بعدها] وأمّا الصحيح والصواب فهو ماقاله الفراء وجماعة من أهل المعاني [إن أول ما] خلق العرش وعهد إلى خلقه يدل عليه قوله تعالى{ ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ إِلَى ٱلسَّمَآءِ } [البقرة: 29] أي إلى خلق السماء. وقال أهل الحق من المتكلمين: أحدث الله فعلا سماه استواء، وهو كالإتيان والمجيء والنزول [وهي] صفات أفعاله. روى الحسن عن أم سلمة في قوله تعالى{ ٱلرَّحْمَـٰنُ عَلَى ٱلْعَرْشِ ٱسْتَوَىٰ } [طه: 5] قالت: الكيف غير معقول والاستواء غير مجهول والنزول به إيمان والجحود به كفر. عن محمد بن شجاع البلخي قال: سئل مالك بن أنس عن قول الله تعالى{ ٱلرَّحْمَـٰنُ عَلَى ٱلْعَرْشِ ٱسْتَوَىٰ } [طه: 5] كيف استوى؟ قال: الكيف مجهول والاستواء غير معقول والإيمان واجب فالسؤال عنه بدعة. وروى محمد بن شعيب بن شابور عن أبيه أن رجلاً سأل [الأوزاعي] في قوله تعالى{ ٱلرَّحْمَـٰنُ عَلَى ٱلْعَرْشِ ٱسْتَوَىٰ } [طه: 5] فقال: هو على العرش كما وصف نفسه، وإني لأراك رجلا ضالاً. وبلغني أن رجلاً سأل إسحاق بن الهيثم الحنظلي فقال: كيف استوى على العرش أقائم هو أم قاعد؟ فقال: يا هذا إنما يقعد من يمل القيام ويقوم من يمل القعود وغير هذا أولى لك ألاّ تسأل عنه. والعرش في اللغة السرير. وقال آخرون: هو ما علا وأظل، ومنه عرش الكرم، وقيل: العرش الملك. قال زهير:
تداركتما الاحلاف قد ثل عرشها
وذبيان قد زلت بأقدامها النعل
{ يُغْشِي } [يطمس] { ٱلْلَّيْلَ ٱلنَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً } مسرعاً { وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ وَٱلنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ } أي مذلّلات { بِأَمْرِهِ } وقرأ أهل الشام بالرفع على الابتداء والخبر { أَلاَ لَهُ ٱلْخَلْقُ وَٱلأَمْرُ } سمعت أبا القاسم [الحبيبي] يقول: سمعت أبا عبد الله محمد بن نافع التاجر بهرات الشجري يقول: سمعت أبا زيد حاتم بن محبوب السامي يقول: سمعت عبد الجبار ابن العلاء العطّار يقول: سألت سفيان بن عيينة عن قوله { أَلاَ لَهُ ٱلْخَلْقُ وَٱلأَمْرُ } فقال: فرق الله بين الخلق والأمر ومَنْ جمع بينهما فقد كفر.