قوله: { مَّآ أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } إلى قوله: { أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً }. أي: ما أشهدت إبليس وذريته { خَلْقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } ، أي ما أحضرتهم ذلك فاستعين بهم على خلقهما. { وَلاَ خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ }. أي: ولا أحضرت بعضاً منهم خلق بعض فأستعين به على ذلك. بل هو منفرد بخلق جميع ذلك بغير معين ولا ظهير. وقيل معنى: { مَّآ أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ }: أي لم يكونوا موجودين إذ خلقتهما. ثم قال: { وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ ٱلْمُضِلِّينَ عَضُداً }. أي: وما كنت متخذ من لا يهدي إلى الحق أعواناً وأنصاراً وهو من قولهم فلان يعضد [فلاناً] إذا نصره وأعانه وقواه. وقرأ أبو جعفر وعاصم الجحدري: " وما كنتَ " بفتح التاء على المخاطبة للنبي عليه السلام. أي لست يا محمد متخذاً المضلين أنصاراً. وفي عضد ستة أوجه وعَضُد وعَضْد وعُضُد بضمتين وبه قرأ الحسن. وحكى هارون القارى " عَضِدٌ ". ويجوز عند أبي إسحاق عُضْداً على قراءة الحسن بسكون الأوسط. والسادس عُضْداً على لغة من قال: كِتْف في كتف. ثم قال: { وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُواْ شُرَكَآئِيَ ٱلَّذِينَ زَعَمْتُمْ } أي: نقول للمشركين نادوا الآلهة والأنداد التي عبدتموها، وجعلتموها شركاء لله ووعدتم أنفسكم بنصرتها لكم من عذاب الله. { فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُواْ }: أي: فاستغاثوا بها ولم تغثهم. ثم قال: { وَجَعَلْنَا بَيْنَهُم مَّوْبِقاً }. أي جعلنا بين المشركين، وما كانوا يعبدون في الدنيا عداوة يوم القيامة، قاله الحسن. وقال: ابن عباس معنى: { وَجَعَلْنَا بَيْنَهُم مَّوْبِقاً } الموبق المهلك الذي أهلك بعضهم بعضاً. كأنه جعل فعلهم ذلك لهم مهلكاً. فـ " بين " اسم على هذا القول لأظرف، وانتصابه انتصاب / المفعول بجعل. قال: الضحاك: موبقاً هلاكاً. وقال: مجاهد: موبقاً واد في جهنم. وقال: عبد لله بن عمرو: يفرق يوم القيامة بين أهل الهدى والضلالة بواد عميق وهو الموبق. وقال: أبو عبيدة: موبقاً موعداً. وأحسن الأقوال، قول من قال: الموبق المهلك والهلاك. لأن العرب تقول: وبقَ يَبِق: إذا هلك. [ومنه] قوله:{ [أَوْ يُو]بِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا } [الشورى: 34] أي: يهلكهن. فالمعنى وجعلنا تواصلهم في الدنيا مهلكاً لهم في الآخرة. وقد يسمى الوادي موبقاً لأنه يهلك فيه. فـ " بين " على هذا اسم لا ظرف، وانتصابه بجعلنا انتصاب المفعولات لا انتصاب الظروف، ومن جعله وادياً فهو ظرف، وكذلك على قول موبقاً عداوة وموعداً. وروى أبان عن عكرمة أنه قال: [ " موبقاً " ] نهر في النار يسيل ناراً، على حافتيه حيات كالبغال الدهم، فإذا ثارت إليهم لتأخذهم استغاثوا بالاقتحام في النار منها، أعاذنا الله من النار. ثم قال: [تعالى]: { وَرَأَى ٱلْمُجْرِمُونَ ٱلنَّارَ فَظَنُّوۤاْ أَنَّهُمْ مُّوَاقِعُوهَا }. أي عاين المجرمون النار يوم القيامة فأيقنوا بأنهم داخلوها.