{ ٱلَّذِينَ يُجَـٰدِلُونَ } بدل من { مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ } وجاز إبداله منه وهو جمع لأنه لا يريد مسرفاً واحداً بل كل مسرف { فِى ءَايَٰتِ الله } في دفعها وإبطالها { بِغَيْرِ سُلْطَـٰنٍ } حجة { أَتَـٰهُمْ كَبُرَ مَقْتاً } أي عظم بغضاً، وفاعل { كَبُرَ } ضمير { مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ } وهو جمع معنى وموحد لفظاً فحمل البدل على معناه والضمير الراجع إليه على لفظه، ويجوز أن يرفع { ٱلَّذِينَ } على الابتداء، ولا بد في هذا الوجه من حذف مضاف يرجع إليه الضمير في { كَبُرَ } تقديره جدال الذين يجادلون كبر مقتاً { عِندَ ٱللَّهِ وَعِندَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كَذَلِكَ يَطْبَعُ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُـلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ }. { قَلْبٍ } بالتنوين: أبو عمرو. وإنما وصف القلب بالتكبر والتجبر لأنه منبعهما كما تقول: سمعت الأذن وهو كقوله:{ فإنه آثم قلبه } [البقرة:283] وإن كان الآثم هو الجملة. { وَقَالَ فِرْعَوْنُ } تمويهاً على قومه أو جهلاً منه { يٰهَـٰمَـٰنُ ٱبْنِ لِى صَرْحاً } أي قصراً. وقيل الصرح: البناء الظاهر الذي لا يخفى على الناظر وإن بعد، ومنه يقال: صرح الشيء إذا ظهر { لَّعَـلِّى } وبفتح الياء: حجازي وشامي وأبو عمرو { أَبْلُغُ ٱلأَسْبَـٰبَ } ثم أبدل منها تفخيماً لشأنها وإبانة أنه يقصد أمراً عظيماً { أَسْبَـٰبَ ٱلسَّمَـٰوٰتِ } أي طرقها وأبوابها وما يؤدي إليها وكل ما أداك إلى شيء فهو سبب إليه كالرشاء ونحوه { فَأَطَّلِعَ } بالنصب: حفص على جواب الترجي تشبيهاً للترجي بالتمني. وغيره بالرفع عطفاً على { أبلغ } { إِلَىٰ إِلَـٰهِ مُوسَىٰ } والمعنى فأنظر إليه { وَإِنِّى لأَظُنُّهُ } أي موسى { كَـٰذِباً } في قوله له إله غيري { وَكَذٰلِكَ } ومثل ذلك التزيين وذلك الصد { زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءَ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ ٱلسَّبِيلِ } المستقيم. وبفتح الصاد: كوفي ويعقوب أي غيره صداً أو هو بنفسه صدوداً. والمزين الشيطان بوسوسته كقوله:{ وَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَـٰنُ أَعْمَـٰلَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ ٱلسَّبِيلِ } [النمل: 24]. أو الله تعالى، ومثله:{ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَـٰلَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ } [النمل: 4] { وَمَا كَـيْدُ فِرْعَوْنَ إِلاَّ فِى تَبَابٍ } خسران وهلاك. { وَقَالَ ٱلَّذِى ءَامَنَ يٰقَوْمِ ٱتَّبِعُونِ } { اتبعوني } في الحالين: مكي ويعقوب وسهل. { أَهْدِكُـمْ سَبِيـلَ ٱلرَّشَـادِ } وهو نقيض الغي، وفيه تعريض شبيه بالتصريح أن ما عليه فرعون وقومه سبيل الغي. أجمل أولاً، ثم فسر فافتتح بذم الدنيا وتصغير شأنها بقوله { يٰقَوْمِ إِنَّمَا هَـٰذِهِ ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَا مَتَـٰعٌ } تمتع يسير، فالإخلاد إليها أصل الشر ومنبع الفتن وثنى بتعظيم الآخرة وبين أنها هي الوطن والمستقر بقوله { وَإِنَّ ٱلآخِرَةَ هِىَ دَارُ ٱلْقَـرَارِ } ثم ذكر الأعمال سيئها وحسنها وعاقبة كل منهما ليثبط عما يتلف وينشط لما يزلف بقوله: { مَنْ عَمِـلَ سَـيَّئَةً فَلاَ يُجْزَىٰ إِلاَّ مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِـلَ صَـٰلِحاً مّن ذَكَـرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَـئِكَ يَدْخُلُونَ ٱلْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ } { يُدخلون } مكي وبصري ويزيد وأبو بكر، ثم وازن بين الدعوتين دعوته إلى دين الله الذي ثمرته الجنات، ودعوتهم إلى اتخاذ الأنداد الذي عاقبته النار بقوله { وَيٰقَوْمِ مَالِيَ } وبفتح الياء: حجازي وأبو عمرو { أَدْعُوكُمْ إِلَى ٱلنَّجٱوةِ } أي الجنة { وَتَدْعُونَنِى إِلَى ٱلنَّارِ تَدْعُونَنِى لأكْـفُرَ بِٱللَّهِ } هو بدل من { تَدْعُونَنِى } الأول يقال: دعاه إلى كذا ودعاه له كما يقال هداه إلى الطريق وهداه له { وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِى بِهِ عِلْمٌ } أي بربوبيته والمراد بنفي العلم نفي المعلوم كأنه قال: وأشرك به ما ليس بإله وما ليس بإله كيف يصح أن يعلم إلهاً { وَأَنَاْ أَدْعُوكُمْ إِلَى ٱلْعَزِيزِ ٱلْغَفَّارِ } وهو الله سبحانه وتعالى، وتكرير النداء لزيادة التنبيه لهم والإيقاظ عن سنة الغفلة، وفيه أنهم قومه وأنه من آل فرعون.