* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق
قوله: { كَأَنَّهُمْ } هذه الجملةُ يجوزُ أَنْ تكونَ حالاً من الضمير في الجارِّ، وتكون بدلاً مِنْ " مُعْرِضِيْنَ " قاله أبو البقاء، يعني أنَّها كالمشتملة عيلها، وأنْ تكونَ حالاً من الضميرِ في " مُعْرِضِين " ، فتكونَ حالاً متداخلةً.
وقرأ العامَّةُ " حُمُرٌ " بضمِّ الميم، والأعمش بإسكانِها. وقرأ نافعٌ وابنُ عامر بفتح الفاء مِنْ " مُسْتَنْفَرة " على أنه اسمُ مفعولٍ، أي: نَفَّرها القُنَّاص. والباقون بالكسرِ بمعنى: نافِرة: يُقال: استنفر ونَفَر بمعنى نحو: عَجِب واستعجب، وسخِر واسْتَسْخر. قال الشاعر:4398ـ أَمْسِكْ حِمارَكَ إنَّه مُسْتَنْفِرُ | | في إثْرِ أَحْمِرَةٍ عَمَدْنَ لغُرَّبِ |
وقال الزمخشري: " كأنها تطلُبُ النِّفار مِنْ نفوسِها في جَمْعِها له وحَمْلِها عليه " انتهى. فأبقى السينَ على بابِها من الطَّلَبِ، وهو معنى حسن.
ورجَّحَ بعضُهم الكسرَ لقولِه " فَرَّتْ " للتناسُبِ. وحكى محمدُ ابنُ سَلاَّم قال: " سألتُ أبا سَوَّار الغَنَويَّ وكان عربياً فصيحاً، فقلت: كأنهم/ حُمُرٌ ماذا؟ فقال: مُسْتَنْفَرَة طَرَدَها قَسْورة. فقلت: إنما هو { فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ } فقال: أفرَّتْ؟ قلت: نعم. قال: " فمُسْتَنْفِرة إذن " انتهى. يعني أنها مع قولِه " طَرَدها " تُناسِبُ الفتحَ لأنَّها اسمُ مفعولٍ فلما أُخْبر بأنَّ التلاوةَ { فَرَّتْ مِن قسْورة } رَجَعَ إلى الكسرِ للتناسُبِ، إلاَّ أنَ بمثلِ هذه الحكاية لا تُرَدُّ القراءةُ المتواترةُ.
والقَسْوَرَةُ: قيل: الصائِدُ. وقيل: ظلمةُ الليل. وقيل: الأسد، ومنه قولُ الشاعر:4399ـ مُضَمَّرٌ تَحْذَرُه الأبطالُ | | كأنه القَسْوَرَةُ الرِّئْبالُ |
أي: الأسد، إلاَّ إنَّ ابن عباس أنكرَه، وقال: لا أعرفُ القَسْوَرَةَ: الأسدَ في لغة العرب، وإنما القَسْوَرَةُ: عَصَبُ الرجال، وأنشد:4400ـ يا بنتُ، كثوني خَيْرَةً لخَيِّرَهْ | | أخوالُها الجِنُّ وأهلُ القَسْوَرَهْ |
وقيل: هم الرُّماةُ، وأنشدوا للبيد بن ربيعة:4401ـ إذا ما هَتَفْنا هَتْفَةً في نَدِيِّنا | | أتانا الرجالُ العانِدون القساوِرُ |
والجملةُ مِنْ قولِه " فَرَّتْ " يجوزُ أَنْ تكونَ صفةً لـ " حُمُر " مثلَ " مُسْتَنْفرة " ، وأنْ تكونَ حالاً، قاله أبو البقاء.