قوله تعالى: { وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ ٱلأَقَاوِيلِ } أي: لو تكلّف قولاً من تلقاء نفسه ونسبه إليه. { لأَخَذْنَا مِنْهُ بِٱلْيَمِينِ } ، قال الزجاج: بالقُدرة والقوّة. قال الشماخ:
إذا ما رايةٌ رُفعت لِمَجْدٍ
تَلَقَّاها عَرَابَةُ باليمين
وهذا قول الفراء والمبرد وعامة أهل البيان. قال ابن قتيبة: إنما أقامَ اليمين مُقامَ القوة؛ لأن قوة كل شيء في مَيامنه. { ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ ٱلْوَتِينَ } وهو عرْق يجري في الظهر حتى يتصل بالقلب. والمفسرون يقولون: هو نِياط القلب، فإذا انقطع مات صاحبه. وقيل: هو القلب. وقال ابن السائب: هو عرق بين العلباء والحلقوم، وأنشدوا للشمَّاخ:
إذا بَلَّغْتِنِي وحملْتِ رَحْلِي
عَرَابةَ فاشْرَقِي بدَمِ الوَتِين
{ فَمَا مِنكُمْ مِّنْ أَحَدٍ } " مِنْ " زائدة لتوكيد النفي، { عَنْهُ حَاجِزِينَ } حائلين بينه وبين ما يُفعل به. والضمير في " عنه ": للنبي صلى الله عليه وسلم. وقيل: للقتل. والخطاب بقوله: " منكم ": للناس. قال الزمخشري: قيل " حاجزين " في وصف أحد؛ لأنه في معنى الجماعة، وهو اسم يقع في النفي العام، مستوياً فيه الواحد والجميع، والمذكر والمؤنث، ومنه قوله تعالى:{ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ } [البقرة: 285]،{ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ } [الأحزاب: 32]. { وَإِنَّهُ } يعني: القرآن { لَتَذْكِرَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ } مثل قوله:{ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ } [البقرة: 2]. وقد بيناه في أول البقرة. { وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنكُمْ } خطاب للناس كلهم. وقيل: خطاب للمؤمنين، على معنى: لنعلم أن [فيكم]. { مُّكَذِّبِينَ } بالقرآن والوحدانية والرسالة. { وَإِنَّهُ } يعني: القرآن { لَحَسْرَةٌ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ } إذا رأوا ثواب المصدّقين به. { وَإِنَّهُ لَحَقُّ ٱلْيَقِينِ } قال الزجاج: " لليقين " حق اليقين. قال الزمخشري: كقولك: هو العالم حق العالم. والمعنى: لعين اليقين، ومحض اليقين. وباقي الآية مفسرٌ في آخر الواقعة.