الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ ٱللَّهِ وَلاۤ أَعْلَمُ ٱلْغَيْبَ وَلاۤ أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي ٱلأَعْمَىٰ وَٱلْبَصِيرُ أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ }

قوله تعالى: { قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ ٱللَّهِ } أي: قل لهؤلاء المشركين المقترحين عليك تارة تنزيل الآيات، وأخرى غير ذلك: لا أدعي أن خزائن رزق الله مفوضة إليّ، فأعطيكم منها ما تريدون من قلب الجبال ذهباً، وغير ذلك.

(والخزائن: جمع خزانة، وهي اسم للمكان الذي يخزن فيه الشيء. وخَزْنُ الشيء إحرازه، بحيث لا تناله الأيدي).

{ وَلاۤ أَعْلَمُ ٱلْغَيْبَ } أي: من أفعاله تعالى حتى تسألوني عن وقت الساعة، أو وقت نزول العذاب أو نحوهما. { وَلاۤ أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ } أي: حتى تكلفوني من الأفاعيل الخارقة للعادات ما لا يطيقه البشر، من الرقيّ في السماء ونحوه، أو تعدّوا عدم اتصافي بصفاتهم قادحاً في أمري، كما ينبئ عنه قولهم:مَالِ هَـٰذَا ٱلرَّسُولِ يَأْكُلُ ٱلطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي ٱلأَسْوَاقِ } [الفرقان: 7]. والمعنى: إني لا أدعي شيئاً من هذه الأشياء الثلاثة، حتى تقترحوا عليّ ما هو من آثارها وأحكامها، وتجعلوا عدم إجابتي إلى ذلك، دليلا على عدم صحة ما أدعيه من الرسالة التي لا تعلق لها بشيء مما ذكر قطعاً. بل إنما هي عبارة عن تلقي الوحي من جهة الله عز وجل، والعمل بمقتضاه فقط، كما ينبئ عنه قوله تعالى: { إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ } أي: ما أتبع فيما أقول لكم إلا ما يوحى إليّ من جهته تعالى، شرفني بذلك وأنعم به عليّ، إذ يكشف لي عن الملائكة فيخبرونني.

ثم كرر الأمر تثنية للتبكيت بقوله:

{ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي ٱلأَعْمَىٰ وَٱلْبَصِيرُ } مثل للضال والمهتدي على الإطلاق. والاستفهام إنكاريّ، والمراد إنكار استواء من لا يعلم ما ذكر من الحقائق، ومن يعلمها. وفيه الإشعار بكمال ظهورها، ومن التنفير عن الضلال، والترغيب في الاهتداء - ما لا يخفى. أفاده أبو السعود.

وقوله تعالى: { أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ } تقريع وتوبيخ داخل تحت الأمر. أي: أفلا تتفكرون فتهتدوا، ولا تكونوا ضالين أشباه العميان.

تنبيهات

الأول: جعل بعض المفسرين قوله تعالى: { قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ ٱللَّهِ وَلاۤ أَعْلَمُ ٱلْغَيْبَ } تبرؤا من دعوى الألوهية؛ لأن قسمة الأرزاق بين العباد، ومعرفة الغيب، مخصوصان به تعالى. قال: ولذا كرر في الملكية لفظ: { وَلاۤ أَقُولُ }. والمعنى: لا أدعي الألوهية ولا الملكية.

وأورد على هذا أن المراد: لا أملك أن أفعل ما أريد مما تقترحونه، وليس المراد التبرؤ عن دعوى الإلهية، وإلا لقيل: لا أقول لكم إني إله. كما قيل: ولا أقول لكم إني ملك. وأيضاً في الكناية عن الألوهية بـ { عِندِي خَزَآئِنُ ٱللَّهِ } ما لا يخفى من البشاعة، بل هو جواب عن اقتراحهم عليه صلى الله عليه وسلم أن يوسع عليهم خيرات الدنيا - كذا في العناية -.

قال أبو السعود: وجعل هذا تبرؤا عن دعوى الإلهية، مما لا وجه له قطعاً.

السابقالتالي
2 3