سورة " التغابن " هى آخر السور المفتتحة بالتسبيح، فقد قال - سبحانه - فى مطلعها. { يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ.. } أى ينزه الله - تعالى - عن كل نقص، ويجله عن كل مالا يليق به، جميع الكائنات التى فى سماواته - سبحانه - وفى أرضه، كما قال - عز وجل -{ تُسَبِّحُ لَهُ ٱلسَّمَاوَاتُ ٱلسَّبْعُ وَٱلأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَـٰكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً } وجىء هنا وفى سورة الجمعة بصيغة المضارع { يُسَبِّحُ } للدلالة على تجدد هذا التسبيح، وحدوثه فى كل وقت وآن. وجىء فى سورة الحديد، والحشر، والصف، بصيغة الماضى سَبَّحَ. للدلالة على أن التسبيح قد استقر وثبت لله - تعالى - وحده، من قديم الزمان. وقوله - سبحانه - { لَهُ ٱلْمُلْكُ وَلَهُ ٱلْحَمْدُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } مؤكد لما قبله، من بيان أن جميع الكائنات تسبح لله - تعالى - لأنه مالكها وصاحب الفضل المطلق عليها. وتقديم الجار والمجرور { لَهُ } لإِفادة الاختصاص والقصر. أى له - سبحانه - وحده ملك هذا الكون، وله وحده الحمد التام المطلق من جميع مخلوقاته، وليس لغيره شىء منهما، وإذا وجد شىء منهما لغيره فهو من فيضه وعطائه، إذ هو - سبحانه - القدير الذى لا يقف فى وجه قدرته وإرادته شىء. ثم بين - سبحانه - أقسام خلقه فى هذه الحياة فقال { هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُمْ مُّؤْمِنٌ }. والخطاب فى قوله { خَلَقَكُمْ } لجيمع المكلفين من هذه الأمة. والفاء فى قوله { فَمِنكُمْ كَافِرٌ } للتفريع المشعر بالتعجب من وجود من هو كافر بالله - تعالى - مع أنه - سبحانه - هو الذى خلقه، وخلق كل شىء. وقدم ذكر الكافر، لأنه الأهم فى هذا المقام، ولأنه الأكثر عددا فى هذه الحياة. أي هو سبحانه - الذى خلقكم بقدرته، دون أن يشاركه فى ذلك مشارك، وزودكم بالعقول التى تعينكم على معرفة الخير من الشر، والنافع من الضار وأرسل إليكم رسوله محمدا - صلى الله عليه وسلم - لكى يخرجكم من ظلمات الكفر إلى نور الإِيمان، وأنزل معه الكتاب الذى يدلكم على أنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنه صادق فيما يبلغه عن ربه، وأمركم هذا الرسول الكريم بإخلاص العبادة لله - تعالى - وحده، ولم يترك رسولنا - صلى الله عليه وسلم - وسيلة تهديكم إلى الحق إلا وأرشدكم إليها..... ومع ذلك وجد منكم المختار للكفر بالحق، المعرض عن الإِيمان بوحدانية الله - تعالى - وكان منكم المستجيب للحق باختياره المخلص فى عقيدته لله - تعالى - المؤمن بوحدانيته، المؤدى لجميع التكاليف التى كلفه - سبحانه - بها.