قوله: { فَإِذَا ٱنسَلَخَ ٱلأَشْهُرُ ٱلْحُرُمُ فَٱقْتُلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ } ، الآية. قوله: { كُلَّ مَرْصَدٍ } ، منصوب عند الأخفش على حذف: " على ". وقد حكى سيبويه: ضُرب الظهر والبطن، أي: " على " ، فنصب لما حذف " على ". ونصبه على الظرف حسن، كما تقول: " قَعَدْتُ لّهُ كُلَّ مَذْهَبٍ ". أي في كل مذهب. والمعنى: فإذا انقضت الأشهر الحرم عن الذين لا عهد لهم، أو عن الذين كان لهم عهد، فنقضوا وظاهروا المشركين على المسلمين، أو كان عهدهم إلى غير أجل معلوم. { فَٱقْتُلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ } ، من الأرض، في الحرم، وفي غيره، وفي الأشهر الحرم وفي غيرها. { وَخُذُوهُمْ } ، أي: أسروهم، والعرب تسمي " الأسير ": أخِيذاً، { وَٱحْصُرُوهُمْ } ، أي: امنعوهم من التصرف في بلاد المسلمين، وأصل " الحصر ": المنع (والحبس)، { وَٱقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ } ، أي: طالبوهم في كل طريق. { فَإِن تَابُواْ } ، أي: رجعوا عن الشرك، { وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَٰوةَ } ، أي: أدوها بحدودها، { وَءَاتَوُاْ ٱلزَّكَٰوةَ } ، أي: أعطوا ما يجب عليهم في أموالهم /، { فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ } أي: دعوهم يتصرفون [في أمصاركم]، ويدخلون البيت الحرام { إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ } ، أي: ساتر ذنوب من رجع وأناب، { رَّحِيمٌ } ، أن يعاقبه على ذنوبه السابقة قبل توبته، [بعد التوبة]. روى أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: " من فارق الدنيا على الإخلاص لله عز وجل، وعبادته، جلت عظمته، لا يشرك به فارقها والله عنه راض ". و { ٱلأَشْهُرُ ٱلْحُرُمُ } ، هنا: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم. وأريد في هذا الموضع انسلاخ المحرم وحده؛ لأن الأذان بـ: " براءة " كان يوم الحج الأكبر. فمعلوم أنهم لم يكونوا أُجِّلوا الأشهر [الحرم] كلها، ولكنه لما كان المحرم متصلاً بالشهرين الآخرين الحرامين وكان لهما تالياً قيل: { فَإِذَا ٱنسَلَخَ ٱلأَشْهُرُ ٱلْحُرُمُ }. وقال السدي: { ٱلأَشْهُرُ ٱلْحُرُمُ } هنا هي: من يوم النحر إلى عشر خلون من ربيع الآخر. وسميت " حُرُماً "؛ لأن الله حرم على المؤمنين فيها دماء المشركين، وأذاهم. وقال مجاهد: { ٱلأَشْهُرُ ٱلْحُرُمُ } ، هنا هي: الأربعة التي قال الله عز وجل:{ فَسِيحُواْ فِي ٱلأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ } [التوبة: 2]. وهو قول السدي. ومثله قال ابن زيد، قال: أمر الله سبحانه أن يتركوا أربعة أشهر يسيحون ثم يتبرأ منهم، ثم أمر إذا انسلخت تلك الأشهر الحرم أن يقتلوا حيث وجدوا. وسماها " حُرُماً "؛ لأنه حرم قتل المشركين فيها. وقال الضحاك، والسدي: الآية منسوخة لا يحل قتل أسير صبرا، والذي نسخها هو قوله:{ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَآءً } [محمد: 4]. وهو قول عطاء. وقال قتادة: هذه الآية ناسخة لقوله: { فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَآءً } ، ولا يجوز أن يمنّ على أسير ولا يُفادى، وقد روي مثله عن مجاهد. وقال ابن زيد: وهو الصواب إن شاء الله، [إن] الآيتين محكمتان. أمر هنا: أن يؤخذوا إما للقتل، وإما للمنّ، وإما للفداء، وأمر ثَمَّ، إما المن، وإما الفداء، فهما محكمتان، وقد فعل هذا كله رسول الله صلى الله عليه وسلم: قتل الأساري، وفادى ببعض، ومنَّ على بعض، وذلك يوم بدر.