الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ كَمَآ أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِٱلْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ }

في قوله { كَمَآ أَخْرَجَكَ } عشرون وجهاً:

أحدها: أنَّ الكاف نعتٌ لمصدر محذوف تقديرهُ: الأنفالُ ثابتةٌ للَّه ثبوتاً كما أخرجك، أي: ثبوتاً بالحقِّ كإخراجك من بيتك بالحقِّ، يعني لا مرية في ذلك، ووجه هذ التَّشبيه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم لمَّا رأى كثرة المشركين يوم بدرٍ، وقلَّة المؤمنين قال: مَنْ قتل قتيلاً فله كذا، ومَنْ أسر أسيراً فله كذا، لِيرغِّبَهُم في القتال، فلمَّا انهزم المشركون قال سعدٌ: يا رسول اللَّهِ إنَّ جماعة من أصحابك وقومك فدوك بأنفسهم، ولم يتأخَّرُوا عن القتال جُبْناً، ولا بُخْلاً ببذل مهجتهم، ولكنَّهم أشفقوا عليك من أن تُغتال، فمتى أعطيت هؤلاء ما سميته لهم؛ بَقِيَ خلقٌ من المسلمين بغير شيء؛ فأنزل اللَّهُ تعالى:يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلأَنْفَالِ قُلِ ٱلأَنفَالُ لِلَّهِ وَٱلرَّسُولِ } [الأنفال: 1] يصنعُ فيها ما يشاء، فأمسك المسلمون عن الطَّلبِ، وفي أنفس بعضهم شيء من الكراهة وحين خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى القتال يوم بدر كانوا كارهين لتلك المقاتلة على ما سنشرحه، فلمَّا قال:قُلِ ٱلأَنفَالُ لِلَّهِ وَٱلرَّسُولِ } [الأنفال: 1] كان التقدير: أنَّهم رضوا بهذا الحكم في الأنفالِ وإن كانُوا كارهين له كما أخرجك ربك من بيتك بالحقِّ إلى القتال، وإن كانُوا كارهين.

الثاني: قال عكرمةُ: تقديره: وأصلحوا ذات بينكم إصلاحاً كما أخرجك، وقد التفت من خطاب الجماعة إلى خطاب الواحد.

والثالث: تقديرهُ: وأطيعوا اللَّهَ ورسولهُ طاعةً محققةً ثابتةً كما أخرجك، أي: كما أنَّ إخراج اللَّه إياك لا مرية فيه ولا شبهة.

الرابع: تقديره: يتوكَّلون توكلاً حقيقياً كما أخرجك ربُّك.

الخامس: تقديره: هم المؤمنون حقّاً كما أخرجك، فهو صفةٌ لـ " حقًّا ".

السادس: تقديره: استقرَّ لهم درجاتٌ وكذا استقراراً ثابتاً كاستقرار إخراجك.

السابع: أنَّهُ متعلقٌ بما بعده تقديره: يجادلونك مجادلةً: كما أخرجك ربك، قال الكسائيُّ " الكاف " تتعلَّقُ بما بعده وهو قوله:يُجَادِلُونَكَ فِي ٱلْحَقِّ } [الأنفال: 6] والتقدير: { كَمَآ أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِٱلْحَقِّ } على كره فريق من المؤمنين كذلك هم يكرهون القتال ويجادلونك فيه.

الثامن: تقديره: لكارهون كراهيةً ثابتةً: كما أخرجك ربُّك أي: إنَّ هذين الشيئين الجدال والكراهية ثابتان لا محالة كما أنَّ إخراجك ثابت لا محالة.

التاسع: أنَّ " الكافَ " بمعنى " إذ " ، و " مَا " زائدة، والتقديرُ: اذكر إذ أخرجك وهذا فاسدٌ جدّاً، إذ لم يثبتْ في موضعٍ أنَّ " الكاف " تكون بمعنى " إذ " وأيضاً فإنَّ " ما " لا تزاد إلاَّ في مواضعَ ليس هذا منها.

العاشر: أنَّ " الكافَ " بمعنى: " واو " القسم، و " ما " بمعنى " الذي " واقعةٌ على ذي العلم مُقْسَماً به.

السابقالتالي
2 3 4 5