قوله تعالى: { هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب } يعني: يهود بني النضير { من ديارهم } أي: من منازلهم { لأول الحشر } فيه أربعة أقوال. أحدها: أنهم أول من حُشر وأُخرج من داره، قاله ابن عباس. وقال ابن السائب: هم أول من نفي من أهل الكتاب. والثاني: أن هذا كان أول حشرهم، والحشر الثاني: إلى أرض المحشر يوم القيامة، قاله الحسن. قال عكرمة: من شك أن المحشر إلى الشام فليقرأ هذه الآية، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم يومئذ: اخرجوا، فقالوا: إلى أين؟ قال إلى أرض المحشر. والثالث: أن هذا كان أول حشرهم. والحشر الثاني: نار تحشرهم من المشرق إلى المغرب قاله قتادة. والرابع: أن هذا كان أول حشرهم من المدينة، والحشر الثاني: من خيبر، وجميع جزيرة العرب إلى أذرعات، وأريحا من أرض الشام في أيام عمر بن الخطاب، قاله مرة الهمْداني. قوله تعالى: { ما ظننتم } يخاطب المؤمنين { أن يخرجوا } من ديارهم لعزِّهم، ومَنَعَتِهم، وحُصُونهم { وظَنُّوا } يعني: بني النضير أن حصونهم تمنعهم من سلطان الله { فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا } وذلك أَنَّه أمر نبيَّه بقتالهم وإِجلائهم، ولم يكونوا يظنون أن ذلك يكون، ولا يحسبونه { وقذف في قلوبهم الرعب } لخوفهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقيل: لقتل سيدهم كعب بن الأشرف { يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين } قرأ أبو عمرو «يُخَرِّبون» بالتشديد. وقرأ الباقون «يَخْرِبُون». وهل بينهما فرق، أم لا؟ فيه قولان. أحدهما: أن المشددة معناها: النقض والهدم. والمخففة معناها: يخرجون منها ويتركونها خراباً معطَّلة، حكاه ابن جرير، روي عن أبي عمرو أنه قال: إنما اخترت التشديد، لأن بني النضير نقضوا منازلهم، ولم يرتحلوا عنها وهي معمورة. والثاني: أن القراءتين بمعنى واحد. والتخريب والإخراب لغتان بمعنى، حكاه ابن جرير عن أهل اللغة. وللمفسرين فيما فعلوا بمنازلهم أربعة أقوال. أحدها: أنه كان المسلمون كلما ظهروا على دارٍ من دُورهم هدموها ليتسع لهم مكان القتال، وكانوا هم ينقبون دورهم، فيخرجون إِلى ما يليها، قاله ابن عباس. والثاني: أنه كان المسلمون كلما هدموا شيئاً من حصونهم نقضوا ما يبنون به الذي خربه المسلمون، قاله الضحاك. والثالث: أنهم كانوا ينظرون إلى الخشبة في منازلهم، أو العمود، أو الباب، فيستحسنونه، فيهدمون البيوت، وينزعون ذلك منها، ويحملونه معهم، ويخرب المؤمنون باقيها، قاله الزهري. والرابع: أنهم كانوا يخربونها لئلا يسكنها المؤمنون، حسداً منهم، وبغياً، قاله ابن زيد. قوله تعالى: { فاعتبروا يا أولي الأبصار } الاعتبار: النظر في الأمور، ليعرف بها شيء آخر من جنسها، و«الأبصار» العقول. والمعنى: تدبَّروا ما نزل بهم { ولولا أن كتب الله } أي: قضى { عليهم الجلاء } وهو خروجهم من أوطانهم.