قوله عز وجل: { يَأَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنْتُم فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِّن تُرَابٍ } يعني آدم. { ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ } يعني ولده. { ثُمَّ مِن عَلَقَةٍ } يعني أن النطفة تصير في الرحم علقة. { ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ } يعني أن العلقة تصير مضغة، وذلك مقدار ما يمضع من اللحم. { مُّخَلَّقَةٍ وَغِيْرِ مُخَلَّقَةٍ } فيه أربعه تأويلات: أحدها: أن المخلقة ما صار خلقاً، وغير مخلقة ما دفعته الأرحام من النطف فلم يصير خلقاً، وهو قول ابن مسعود. والثاني: معناه تامة الخلق وغير تامة الخلق، وهذا قول قتادة. والثالث: معناه مصورة وغير مصورة كالسقط، وهذا قول مجاهد. والرابع: يعني التام في شهوره، وغير التام، قاله الضحاك، قال الشاعر:
أفي غير المخلقة البكاءُ
فأين العزم ويحك والحَياءُ
{ لِّنُبيِّنَ لَكُمْ } يعني في القرآن بدء خلقكم وتنقل أحوالكم. { وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ مَا نَشَآءُ إِلّى أَجَلٍ مُّسَمًّى } قال مجاهد: إلى التمام. { ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُواْ أَشُدَّكُمْ } وقد ذكرنا عدد الأشُدّ. { وَمِنْكُم مَّن يُتَوَفّى } فيه وجهان: أحدهما: يعني قبل أن تبلغ إلى أرذل العمر. والثاني: قبل بلوغ الأَشُدّ. { وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ } فيه ثلاثة أوجه: أحدها: الهرم، وهو قول يحيى بن سلام. والثاني: إلى مثل حاله عند خروجه من بطن أمّه، حكاه النقاش. والثالث: ذهاب العقل، قاله اليزيدي. { لِكَيْلاَ يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً } فيه وجهان: أحدهما: لا يستفيد علماً ما كان به عالماً. الثاني: لا يعقل بعد عقله الأول شيئاً. ويحتمل عندي وجهاً ثالثاً: أنه لا يعمل بعد علمه شيئاً، فعبر عن العمل بالعلم [لافتقاره إليه لأن تأثير الكبر في العمل أبلغ من تأثيره في العلم]. { وتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً } فيه ثلاثة تأويلات: أحدها: غبراء، وهذا قول قتادة. والثاني: يابسة لا تنبت شيئاً، وهذا قول ابن جريج. والثالث: أنها الدراسة، والهمود: الدروس، ومنه قول الأعشى:
قالت قتيلة ما لجسمك شاحباً
وأرى ثيابك باليات همَّدا
{ فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَآءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ } وفي { اهْتَزَّتْ } وجهان: أحدهما: معناه أنبتت، وهو قول الكلبي. والثاني: معناه اهتز نباتها واهتزازه شدة حركته، كما قال الشاعر:
تثني إذا قامت وتهتز إن مشت
كما اهتز غُصْن البان في ورق خضرِ
{ وَرَبَتْ } وجهان: أحدهما: معناه أضعف نباتها. والثاني: معناه انتفخت لظهور نباتها، فعلى هذا الوجه يكون مقدماً ومؤخراً وتقديره: فإذا أنزلنا عليها الماء رَبتْ واهتزت، وهذا قول الحسن وأبي عبيدة، وعلى الوجه الأول لا يكون فيه تقديم ولا تأخير. { وَأَنْبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ } فيه وجهان: أحدهما: يعني من كل نوع، وهو قول ابن شجرة. والثاني: من كل لون لاختلاف ألوان النبات بالخضرة والحمرة والصفرة. { بَهِيجٍ } يعني حسن الصورة.