الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ ٱلْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي ٱلأَرْحَامِ مَا نَشَآءُ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوۤاْ أَشُدَّكُمْ وَمِنكُمْ مَّن يُتَوَفَّىٰ وَمِنكُمْ مَّن يُرَدُّ إِلَىٰ أَرْذَلِ ٱلْعُمُرِ لِكَيْلاَ يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً وَتَرَى ٱلأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَآ أَنزَلْنَا عَلَيْهَا ٱلْمَآءَ ٱهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ }

قوله تعالى: { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ ٱلْبَعْثِ } أي: إن كنتم في شَكٍّ من صحته وكونه، فانظروا ببصائركم في دلائل قدرتي ومبتدأ خلقكم لتستدلوا بالابتداء السابق على الإيجاد اللاحق.

وقوله: { فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِّن تُرَابٍ } معناه: خلقنا أصلكم آدم من تراب، { ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ } وهي دم عبيط جامد، تنقلبُ عينُ النطفة إليه إذا استقرت في الرَّحم أربعين يوماً.

وفي طهارتها عن الإمام أحمد روايتان: مثارُهُما التردد بين كونها دماً وبَدْؤُ خلق آدمي.

{ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ } وهي اللحمة الصغيرة قدر ما يمضغ، { مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ }.

قال ابن مسعود: المخلّقة: ما خلق سوياً، وغير المخلّقة: ما ألقَتْهُ الأرحام من النُّطَفِ قبل أن يكون خلقاً.

وقال الحسن: مُصَوَّرة وغير مُصَوَّرة.

وقال ابن عباس: المُخَلَّقَة: ما أكمل خلقه بنفخ الروح فيه، وهو الذي يولد حياً لِتَمَام، وغير المخلَّقة: ما سقط غير حَيٍّ لم يكمل خلقُه بنفخ الروح فيه.

قال صاحب الكشاف: المخلَّقَة: المُسَوَّاة الملساء من النقصان والعيب، يقال: خَلَّقّ السواك والعود؛ إذا سوّاه [ومَلَّسَه]، من قولهم: صخرة خَلْقَاء؛ إذا كانت مَلْسَاء.

قوله تعالى: { لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ } أي: لنُظهر لكم ونُوضّح بهذا التدريج والتنقل من حال إلى حال كمال قدرتنا وبليغ حِكْمتنا، وأن من قَدَرَ على خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة، مع ما بين التراب والماء والدم من المُبَايَنَة، ثم جعل العَلَقَة مضغة والمضغة عظاماً، قادرٌ على إنشائكم بعد فنائكم.

قوله تعالى: { وَنُقِرُّ فِي ٱلأَرْحَامِ مَا نَشَآءُ } كلام مستأنف، أي: نُثْبِتُ فيها ما نشاء فلا يكون سقطاً، وما لم نشأ إقراره تَمُجُّهُ الأرحام وتُسْقِطُهُ.

والأجل المسمى: أجل الولادة والوضع.

وقرأتُ على الشيخين أبي البقاء عبدالله بن الحسين اللغوي وأبي عمرو عثمان بن مقبل الياسري: " ونقرَّ " بالنصب، عطفاً على " لنُبَيِّنَ ". وضعّفها الزجاج.

{ ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً } قال الزجاج: " طفلاً " في معنى أطفال، ودلّ عليه ذكر الجماعة.

وقال غيره: المعنى: ثم نخرج كل واحد منكم طفلاً.

{ ثُمَّ لِتَبْلُغُوۤاْ أَشُدَّكُمْ } فيه إضمار، تقديره: ثم نُعمِّركم لتبلغوا كمال قوتكم، وهو ما بين الثلاثين إلى الأربعين.

{ وَمِنكُمْ مَّن يُتَوَفَّىٰ } من قبل أي: من قبل بلوغ الأشُدّ، { وَمِنكُمْ مَّن يُرَدُّ إِلَىٰ أَرْذَلِ ٱلْعُمُرِ } أخسّه وأدْوَنه، وهو سِنّ الخَرَف والهَرَم.

{ لِكَيْلاَ يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً } مُفسّرٌ في النحل.

ثم أوضح لهم طريق الاستدلال بذكر المثال ليعتبروا الغائب بالشاهد فقال: { وَتَرَى ٱلأَرْضَ هَامِدَةً } أي: ميتة يابسة كالنار إذا طفئت، { فَإِذَآ أَنزَلْنَا عَلَيْهَا ٱلْمَآءَ ٱهْتَزَّتْ } تحركت بالنبات { وَرَبَتْ } انتفخت.

قال الزجاج: هو من رَبَا يَرْبُو؛ إذا زاد على أي الجهات زاد.

وقال المبرد: أراد: اهتزّ نباتُها ورَبَا، فحذف المضاف.

وقرأتُ لأبي جعفر: " وربأت " بهمزة مفتوحة بعد الباء.

قال الفراء: إن كان ذهب إلى الرَّبيئة الذي يحرس القوم [فهذا مذهب]، أي: أنه يرتفع، وإلا فهو غلط.

وقال الزجاج: معنى [رَبَأَت]: ارتفعت.

{ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ } قال ابن عباس: من كل صنف حَسَن.

والبهجة: حُسْنُ الشيء [ونضارَتُهُ].