الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَمَآ أُمِرُوۤاْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ حُنَفَآءَ وَيُقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ وَيُؤْتُواْ ٱلزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ ٱلقَيِّمَةِ }

وفيه مسائل: المسألة الأولى: في قوله: وما أمروا وجهان: أحدهما: أن يكون المراد: { وَمَا أُمِرُواْ } في التوراة والإنجيل إلا بالدين الحنيفي، فيكون المراد أنهم كانوا مأمورين بذلك إلا أنه تعالى لما أتبعه بقوله: { وَذَلِكَ دِينُ ٱلقَيّمَةِ } علمنا أن ذلك الحكم كما أنه كان مشروعاً في حقهم فهو مشروع في حقنا وثانيها: أن يكون المراد: وما أمر أهل الكتاب على لسان محمد صلى الله عليه وسلم إلا بهذه الأشياء، وهذا أولى لثلاثة أوجه: أحدها: أن الآية على هذا التقدير تفيد شرعاً جديداً وحمل كلام الله على ما يكون أكثر فائدة أولى وثانيها: وهو أن ذكر محمد عليه السلام قد مر ههنا وهو قوله:حَتَّىٰ تَأْتِيَهُمُ ٱلْبَيّنَةُ } [البينة: 1] وذكر سائر الأنبياء عليهم السلام لم يتقدم وثالثها: أنه تعالى ختم الآية بقوله: { وَذَلِكَ دِينُ ٱلقَيّمَةِ } فحكم بكون ما هو متعلق هذه الآية ديناً قيماً فوجب أن يكون شرعاً في حقنا سواء قلنا: بأنه شرع من قبلنا أو شرع جديد يكون هذا بياناً لشرع محمد عليه الصلاة والسلام وهذا قول مقاتل. المسألة الثانية: في قوله: { إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ ٱللَّهَ } دقيقة وهي أن هذه اللام لام الغرض، فلا يمكن حمله على ظاهره لأن كل من فعل فعلاً لغرض فهو ناقص لذاته مستكمل بذلك الغرض، فلو فعل الله فعلاً لكان ناقصاً لذاته مستكملاً بالغير وهو محال، لأن ذلك الغرض إن كان قديماً لزم من قدمه قدم الفعل، وإن كان محدثاً افتقر إلى غرض آخر فلزم التسلسل وهو محال ولأنه إن عجز عن تحصيل ذلك الغرض إلا بتلك الواسطة فهو عاجز، وإن كان قادراً عليه كان توسيط تلك الواسطة عبثاً، فثبت أنه لا يمكن حمله على ظاهره فلا بد فيه من التأويل. ثم قال الفراء: العرب تجعل اللام في موضع أن في الأمر والإرادة كثيراً، من ذلك قوله تعالى:يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُبَيّنَ لَكُمْ } [النساء: 26]يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُواْ } [الصف: 8] وقال في الأمر:وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ } [الأنعام: 71] وهي في قراءة عبد الله: { وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ أن يعبدوا ٱللَّهِ } فثبت أن المراد: وما أمروا إلا أن يعبدوا الله مخلصين له الدين. والإخلاص عبارة عن النية الخالصة، والنية الخالصة لما كانت معتبرة كانت النية معتبرة، فقد دلت الآية على أن كل مأمور به فلا بد وأن يكون منوباً، ثم قالت الشافعية: الوضوء مأمور به في قوله تعالى:إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصلاة فاغسلوا وجوهكم } [المائدة: 6] ودلت هذه الآية على أن كل مأمور يجب أن يكون منوياً، فيلزم من مجموع الآيتين وجوب كون الوضوء منوياً، وأما المعتزلة فإنهم يوجبون تعليل أفعال الله وأحكامه بالأغراض، لا جرم أجروا الآية على ظاهرها فقالوا معنى الآية: وما أمروا بشيء إلا لأجل أن يعبدوا الله، والإستدلال على هذا القول أيضاً قوي، لأن التقدير وما أمروا بشيء إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين في ذلك الشيء، وهذا أيضاً يقتضي اعتبار النية في جميع المأمورات.

السابقالتالي
2 3 4 5 6