قوله تعالى: { ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآيَاتِنَا } وهي الدلائل الواضحة، { وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ }. قال صاحب الكشاف: يجوز أن يراد بقوله: " وسلطان مبين " العصا؛ لأنها أم آيات موسى، وقد تعلقت بها معجزات شتى: من انقلابها حية، وتلقُّفِها ما أفكته السَّحَرة، وانفلاق البحر، وانفجار العيون من الحَجَر بضربهما بها، وكونها حارساً، وشمعة، وشجرة خضراء مُثمرة، ودَلْواً ورشاء، جُعلت كأنها ليست بعضها -يعني: بعض الآيات- لما استبدلت به من الفضل، فلذلك عُطفت عليها؛ كقوله:{ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَٰلَ } [البقرة: 98]. ويجوز أن تراد الآيات أنفسها، أي: هي آيات وحُجَّةٌ بينة. { إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَٱسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْماً عَالِينَ } متطاولين على الناس، قاهرين لهم بالبغي والظلم. { فَقَالُوۤاْ } تعظيماً وتكبراً عليهما { أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ } خاضعون مطيعون. { فَكَذَّبُوهُمَا فَكَانُواْ مِنَ ٱلْمُهْلَكِينَ } بالغرق. وقد سبق ذكره في البقرة. قوله تعالى: { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ ٱلْكِتَابَ } يعني: التوراة، أعطيها دفعة واحدة بعد غرق فرعون. قال الزمخشري: المعنى: ولقد آتينا قوم موسى الكتاب، كما قال:{ عَلَىٰ خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ } [يونس: 83] يريد: آل فرعون، وكما يقولون: هاشم، وثقيف، وتميم. ولا يجوز أن يرجع الضمير في { لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ } إلى فرعون وملإه؛ لأن التوراة إنما أوتيها بنوا إسرائيل بعد إغراق فرعون وملإه. قلتُ: ولا حاجة به إلى هذا التعسف؛ لأن الضمير في: " لعلهم يهتدون " يرجع إلى قوله: " وقومهما " ، على أنه غير مُنْكَر في القرآن والكلام الفصيح الكناية عن غير مذكور؛ كقوله تعالى:{ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ ٱلْقَدْرِ } [القدر: 1]، و{ حَتَّىٰ تَوَارَتْ بِٱلْحِجَابِ } [ص: 32]، وقوله تعالى:{ كَلاَّ إِذَا بَلَغَتِ ٱلتَّرَاقِيَ } [القيامة: 26]. وقد سبق الكلام على قوله تعالى:{ عَلَىٰ خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ } [الآية: 83] [في] يونس. وهاشم وثقيف وتميم أسماء للقبائل؛ كعاد وثمود، ولذلك امتنعت من الصَّرْف.