قيل إلا قوله: { يَسْأَلُهُ } ، الآيتين. لَمَّا وَعَدنا ما أعدَّلنا من جلائل نعمه في العُقْبى، وصف نفسه بكمال الرحمة، عد علينا فواضل نعمه في الدنيا فقال: { بِسمِ ٱللهِ ٱلرَّحْمٰنِ ٱلرَّحِيـمِ * ٱلرَّحْمَـٰنُ * عَلَّمَ }: عباده { ٱلْقُرْآنَ }: بتيسير فهمه، وأما قوله:{ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ } [آل عمران: 7]... إلى آخر عند من يقف على الجلالة، فعلى الغالب، أو بمعنى: لا يعلمه أحد بقوة ذكائة { خَلَقَ ٱلإِنسَانَ * عَلَّمَهُ ٱلبَيَانَ }: التعبير عما في الضمير أو هو آدم، علمه اللغات، وكان يتكلم بسَبْعمائة ألف لغة، أفضلها العربية، وقدم التعليم على الخلق لأنه سبب الإيجاد { ٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ }: يجريان { بِحُسْبَانٍ }: لا تساق أمور السفليات، جمع حساب أو بمعناه، وترك العطف تعديداً { وَٱلنَّجْمُ }: الكوكب، أو نبات بلا ساق { وَٱلشَّجَرُ }: ذو ساق { يَسْجُدَانِ }: ينقادنا له فيما أراد منهما { وَٱلسَّمَآءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ }: أثبت { ٱلْمِيزَانَ }: العدل، فوفر على كل مستعد مستحقه لانتظام أمر العالم { أَلاَّ }: لأن { تَطْغَوْاْ }: تعتدوا { فِي ٱلْمِيزَانِ }: بأخذ الزائد { وَأَقِيمُواْ ٱلْوَزْنَ }: أي: افعلوه { بِٱلْقِسْطِ }: بالعدل { وَلاَ تُخْسِرُواْ }: تنقصوار { ٱلْمِيزَانَ }: أو لا تطغوا بالزيادة والنقصان، ولا تخسروا ميزان أعمالكم، فتلك ثلاثة موازين { وَٱلأَرْضَ وَضَعَهَا }: أثبتها { لِلأَنَامِ }: الخلق، أو كل ذي روح { فِيهَا فَاكِهَةٌ وَٱلنَّخْلُ ذَاتُ ٱلأَكْمَامِ }: أوعية الطَّلْع { وَٱلْحَبُّ ذُو ٱلْعَصْفِ }: التبن { وَٱلرَّيْحَانُ }: الرزق والمشموم { فَبِأَيِّ آلاۤءِ }: نعماء { رَبِّكُمَا }: أيها الثقلان المفهوم من الأنام { تُكَذِّبَانِ }: يسنُّ لسامع هذه الآية أن يقول: ولاَ بشيء من نعمك ربنا نكذبُ، فلك الحمد { خَلَقَ ٱلإِنسَانَ }: أدم { مِن صَلْصَالٍ }: طين يَابس كما مرّ { كَٱلْفَخَّارِ }: كالخزف { وَخَلَقَ ٱلْجَآنَّ }: أباهم { مِن مَّارِجٍ }: لهبٍ خالصٍ من الدخان { مِّن نَّارٍ }: أفاد بالتنويو أنها ليست النار المعروفة { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا }: في أطوار خلقتكما { تُكَذِّبَانِ }: هو { رَبُّ ٱلْمَشْرِقَيْنِ }: للشتاء والصيف، أو مطلب الفجر والشمس { وَرَبُّ ٱلْمَغْرِبَيْنِ }: لهما، أو مغربي الشمس والشفق، كرر لفظة " رب " هنا دون المعارج والمزمل لأن المقام للامتنان { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا }: مما فيه من تدبير السفليات { تُكَذِّبَانِ * مَرَجَ }: أرسل { ٱلْبَحْرَيْنِ }: العذب والمالح، من فارس والروم { يَلْتَقِيَانِ }: ظاهرا { بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ }: حاجز من قدرته { لاَّ يَبْغِيَانِ }: لا يتجاوزان حدهما { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا }: من فوائد عدم اختلاطهما { تُكَذِّبَانِ * يَخْرُجُ مِنْهُمَا ٱلُّلؤْلُؤُ }: كبار الدُّرِّ { وَٱلمَرْجَانُ }: صغاره، أو خرزٌ أحمدُ، وهما لم يخرجا إلا من المالح، لكن لما اجتمعا صار كواحد نحو{ وَجَعَلَ ٱلْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً } [نوح: 16] { فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا }: من هذه المنافع { تُكَذِّبَانِ * وَلَهُ ٱلْجَوَارِ }: السفن { ٱلْمُنشَئَاتُ }: المرفوعات { فِي ٱلْبَحْرِ }: وهي فيهما { كَٱلأَعْلاَمِ }: الجبال عظما { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا }: من تعليمها وفوائدها { تُكَذِّبَانِ * كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا }: على الأرض { فَانٍ }: غلب بمن أُوْلي العقل { وَيَبْقَىٰ وَجْهُ رَبِّكَ ذُو ٱلْجَلاَلِ }: الاستغناء المطلق { وَٱلإِكْرَامِ }: الفضل العام { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا }: من إبقاء ما هو بصدد الفناء، ومن إفنائكم ولحياتكم الأبدية { تُكَذِّبَانِ * يَسْأَلُهُ }: بلسان الاستعداد الحوائج حالا أو مقالا { مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ }: وقت: { هُوَ فِي شَأْنٍ }: أمر يظهره على وفق قدرته الأزلية، ومنه مغرفته ذنبا، وتفريجه كربا، ورفعة قوما، ووضعه آخري، وهو رد لقول اليهود أنه تعالى لا يقضي يوم السبت شيئا { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا }: من إسعاف سؤالكم { تُكَذِّبَانِ * سَنَفْرُغُ }: سنتجرد { لَكُمْ }: لحسابكم في القيامة، إذ لا يفعل فيها غيره { أَيُّهَ ٱلثَّقَلاَنِ }: الإنس والجن المثقلان بالتكاليف { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا }: من نحو إثباتكم واستيفاء حق مظلومكم من ظالمكم { تُكَذِّبَانِ * يٰمَعْشَرَ ٱلْجِنِّ }: قدمه لأكثرية استطاعته { وَٱلإِنسِ إِنِ ٱسْتَطَعْتُمْ }: في يوم القايمة { أَن تَنفُذُواْ }: تخرجوا { مِنْ أَقْطَارِ }: جوانب { ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ }: فارين من قضائنا { فَٱنفُذُواْ }: أمر تعجيز { لاَ تَنفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطَانٍ }: بقوة، وليست لكم { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا }: من مساهلته مع كمال قدرته ثم تنبيهه { تُكَذِّبَانِ * يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا }: إن فررتما يومئذ { شُوَاظٌ }: لهب { مِّن نَّارٍ }: بلا دخان { وَنُحَاسٌ }: دخان بلا لههب، أو صفرٌ مذابٌ على رؤسكما { فَلاَ تَنتَصِرَانِ }: تمتنعان من قدرتنا { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا }: من تحذيره الآن وتمييزه بين مطيعيكم وعصاتكم بالجزاء { تُكَذِّبَانِ * فَإِذَا ٱنشَقَّتِ ٱلسَّمَآءُ }: بنزول الملائكة { فَكَانَتْ وَرْدَةً }: أي: مثلها حمرة { كَٱلدِّهَانِ } في الصفاء جميع دهن، أو مثل الأديم الأحمر ولو السماء أحمر دائما، وإنما نشاهد زرقتها بسبب أعتراض الهواء، كما نرى الدم في العروق أزرق، ولا هواء يومئذ وجوابه فما أعظم الهول { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا }: من أمن المؤمنين يومئذ { تُكَذِّبَانِ * فَيَوْمَئِذٍ }: حيث يحشرون من قبورهم { لاَّ يُسْأَلُ عَن ذَنبِهِ }: الضمير لقوله { إِنسٌ وَلاَ جَآنٌّ }: لأنهم يعرفون بسيماهم، وأما قوله: