الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَٱتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَٰعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ هُمْ يُنْصَرُونَ }

بعد أن ذكرهم - سبحانه - فى الآية السابعة بنعمة عظمى من نعمه حذرهم فى هذه الآية الكريمة من التقصير فى العمل الصالح، وذلك لأن وصفهم بالتفضيل على عالمى زمانهم قد يحملهم على الغرور، ويجعلهم يتوهمون أنهم مغفور لهم لو أذنبوا. فجاءت هذه الآية الكريمة لتقتلع من أذهانهم تلك الأوهام بأحكم عبارة وأجمع بيان. والمراد باتقاء اليوم، وهو يوم القيامة، الحذر مما يحدث فيه من أهوال وعذاب، والحذر منه يكون بالتزام حدود الله - تعالى - وعدم تعديها، فهو من إطلاق الزمان على ما يقع فيه كما تقول " مكان مخيف " وتنكير النفس فى الموضعين وهو فى حيز النفى يفيد عموم النفس. أى لا تقضى فيه نفس كائنة من كانت عن نفس أخرى شيئاً من الحقوق. ووصف اليوم بهذا الوصف، ولم يقل " يوم القيامة " مثلا، للإِشعار بأن التصرف فى ذلك اليوم لله وحده. فليس فيه ما اعتاد الناس فى هذه الدنيا من دفاع بعضهم عن بعض. والمعنى احذروا - يا بنى إسرائيل - يوماً عظيماً أمامكم، سيحصل فيه من الحساب والجزاء مالا منجاة من هوله إلا بتقوى الله فى جميع الأحوال والإِخلاص له فى كل الأعمال، فهو يوم لا تقضى فيه نفس مهما كان قدرها عظيما عن نفس شيئاً ما، مهما يكن ذنباً صغيراً. ثم وصف القرآن الكريم ذلك اليوم بوصف آخر يناسب المقام. فقال تعالى { وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ } الضمير فى منها يعود إلى النفس المحاسبة فى ذلك اليوم. والشفاعة من الشفع ضد الوتر، وهى انضمام الغير إلى الشخص ليدفع عنه، أى لا يقبل منها أن تأتى يشفيع ليحصل لها نفعاً، أو يدفع عنها ضرراً. والآية الكريمة قد نفت قبول الشفاعة من أحد نفياً مطلقاً، ولكن هنالك آيات كريمة تنفى قبول الشفاعة إلا ممن أذن له الرحمن فى ذلك، من هذه الآيات قوله تعالىمَن ذَا ٱلَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ } وقوله تعالىيَوْمَئِذٍ لاَّ تَنفَعُ ٱلشَّفَاعَةُ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ ٱلرَّحْمَـٰنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً } وللجمع بين هذه الآيات، تحمل الآيات التى تنفى الشفاعة نفياً مطلقاً على أنها واردة فى شأن النفوس الكافرة، وتحمل الآيات التى تبيح الشفاعة على أنها واردة فى شأن المؤمنين إذا أذن الله فيها للشافعين، وقد وردت أحاديث صحيحة بلغت مبلغ التواتر المعنوى فى أن النبى صلى الله عليه وسلم ستكون له شفاعة فى دفع العذاب عن أقوام المؤمنين، وتخفيفه عن أهل الكبائر من المسلمين، من ذلك ما أخرجه البخارى عن جابر بن عبد الله - رضى الله عنهما - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال

السابقالتالي
2 3