الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَٰعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ هُمْ يُنْصَرُونَ }

{ وَاتَّقُوا يَوْماً } أى احذروا عذاب يوم أو حساب يوم عسير، فيوماً مفعول به لاتقوا على حذف مضاف لا ظرف لهُ، لأن الاتقاء إنما هو فى الدنيا بترك المعاصى لا فى ذلك اليوم، وإما أن يكون ظرفاً لمفعول محذوف فجائز، أى واتقوا العذاب أو الحساب العسير يوماً، أن اتقوا فى الدنيا أن تعذبوا يوم القيامة أو أن تحاسبوا فيه حساباً عسيراً. { لاَ تَجْزِى نَفْسٌ عَنْ نَفْس شَيْئاً } هذه الجملة نعت ليوماً والرابط محذوف، أى لا تجزى فيه نفس عن نفس شيئاً، فقيل حذف الجار والمجرور رفعه، فالرابط حذف مخفوضاً، وقيل حذف الجار وانتصب محل المجرور على نزع الخافض واتصل بتجزى فحذف منصوباً كحذف الرابط الذى هو ضمير مفعول به. قال الشيخ خالد الأول مذهب سيبويه والثانى مذهب الأخفش. قال الحارث بن كلزة الثقفى يعاتب ابن عمه
فما أدرى أغيرهم تناءى وطول العهد أو مال أصابوا   
والتنائى التباعد والتقدير أو مال أصابوه، فحذف رابط النعت أى لا أدرى أغيرهم تباعد وطول العهد أو مال أصابوه، كما أن أكثر الناس بغيرهم الغنى. قال أبو الهول فى صديق له أيسر فلم يجده كما يظن.
لئن كانت الدنيا أنالتك ثروة فأصبحت فيها بعد عسر أخا يسر لقد كشف الإثراء منك خلائقا من اللؤم كانت تحت ثوب من الفقر   
وشيئاً مفعول مطلق أى شيئاً من الجزاء، والشىء من الجزاء جزاء. كأنه قيل لا تجزى نفس عن نفس جزاء ما، أى لا تغنى عنها إغناء ما، أو مفعول به على كون تجزى بمعنى تدفع أو تقضى أى لا تقضى عنها حقاً من الحقوق، أو لا تدفع عنها مضرة من المضرات الواجبة عليها. قال السدى معناه لا تقضى، ولفظ شىء أنسب لمعنى تقضى أو تدفع، لأن أصله ألا يكون مفعولا مطلقاً، وقرىء لا تجزئ بضم التاء وبالهمزة بعد الزاى، وعليه فشيئاً مفعول مطلق، أى لا تجزئ إجزاء ما، وقرأ أبو السوار الغنوى لا تجزى نسمه عن نسمة شيئاً، والمراد على كل وجه أن نفساً كائنة ما كانت لا ترد عن نفس كائنة ما كانت ما أصابها، بل يفر المرءُ من أخيه وأمه وأبيه، وأحدنا اليوم قد يقضى عن قريبه ديناً، وأما فى الآخرة فليس للمرءُ أن يترتب لهُ على قريبه حق لأن القضاء هناك من الحسنات والسيئات، كما أخبر النبى صلى الله عليه وسلم، ولا يخفى ما فى تنكير النفسين وشيئا بعد النفى من التعميم والإقناط. { وَلا يُقْبَلُ } وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بالتاء المثناة فوق. { مِنْهَا شَفَاعَةٌ } وقرأ قتادة يَقْبَلُ مها شفاعةً ببناء يقبل للفاعل الذى هو الله تبارك وتعالى، ونصب شفاعة.

السابقالتالي
2 3