قوله تعالى: { قُلْ إِنَّما أَعِظُكم } أي: آمُرُكم وأُوصيكم { بواحدة } وفيها ثلاثة أقوال. أحدها: أنها «لا إِله إِلا الله»، رواه ليث عن مجاهد. والثاني: طاعة الله، رواه ابن أبي نجيح عن مجاهد. والثالث: أنها قوله: { أن تَقُوموا لله مثنى وفُرادى } ، قاله قتادة. والمعنى: أن التي أَعِظُكم بها، قيامُكم وتشميركم لطلب الحق، وليس بالقيام على الأقدام. والمراد بقوله { مثنى } أي: يجتمع اثنان فيتناظران في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم. والمراد بـ { فُرادى }: أن يتفكَّر الرجل وحده، ومعنى الكلام: لِيتفكرِ الإِنسانُ منكم وحده، ولْيَخْلُ بغيره، ولْيُناظِر، ولْيَسْتَشِر، فَيَسْتَدِلَّ بالمصنوعات على صانعها، ويُصدِّق الرسول على اتبّاعه، ولْيَقُل الرجلُ لصاحبه: هَلُمَّ فلْنَتَصادق هل رأينا بهذا الرجل جِنَّة قَطّ، أو جرَّبْنا عليه كَذِباً قَطّ. وتم الكلام عند قوله: { ثم تتفكَّروا ما بصاحبكم من جِنَّة } ، وفيه اختصار تقديره: ثم تتفكَّروا لتعلموا صِحَّة ما أمرتُكم به وأنَّ الرسول ليس بمجنون، { إِنْ هو إِلاَّ نذير لكم بين يَدَيْ عذابٍ شديدٍ } في الآخرة. قوله تعالى: { قل ما سألتُكم مِنْ أَجْر } على تبليغ الرسالة { فَهُو لكم } والمعنى: ما أسألكم شيئاً؛ ومثله قول القائل: ما لي في هذا فقد وهبتُه لك، يريد: ليس لي فيه شيء. قوله تعالى: { قُلْ إِنْ ربِّي يَقْذِفُ بالحقِّ } أي يُلقي الوحي إِلى أنبيائه { عَلاَّمُ الغُيوبِ } وقرأ أبو رجاء: { عَلاَّمَ } بنصب الميم. { قُلْ جاء الحقُّ } وهو الإِسلام والقرآن. وفي المراد بالباطل ثلاثة أقوال. أحدها: أنه الشيطان، لا يخلُق أحداً ولا يبعثُه، قاله قتادة. والثاني: أنه الأصنام، لا تُبدئ خَلْقاً ولا تُحيي، قاله الضحاك. وقال أبو سليمان: لا يبتدىء الصنم من عنده كلاماً فيُجاب، ولا يرُدُّ ما جاء من الحق بحُجَّة. والثالث: أنه الباطل الذي يُضادُّ الحق؛ فالمعنى: ذهب الباطل بمجيء الحقِّ، فلم تَبْقَ منه بقيَّة يُقبِل بها أو يُدبِر أو يُبدىء أو يعيد، ذكره جماعة من المفسرين. قوله تعالى: { قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فانَّما أَضِلُّ على نفسي } أي: إِثم ضلالتي على نفسي، وذلك أنَّ كُفَّار مكَّة زعموا أنه قد ضَلَّ حين ترك دين آبائه، { وإِنِ اهتَديتُ فَبِما يوحي إِليَّ ربِّي } من الحكمة والبيان.