قوله: { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَآ إِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ }: يحتمل هذا: لقد أرسلنا إلى ثمود أخاهم صالحاً، وأمرناه أن يقول لهم: اعبدوا الله. وجائز أن يكون قوله: { أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ } بالرسالة، أي: أرسلناه ليدعوهم إلى عبادة الله. وقوله: { ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ }: يحتمل: وحدوا الله. ويحتمل العبادة نفسها: أن اعبدوا الله ولا تشركوا غيره فيها، ولا تشركوا في تسمية الألوهية غيره، ولكن وحدوه، فكيفما كان ففيه أمر بالتوحيد له في العبادة والألوهية له. وقوله: { فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ }: مؤمن بصالح ومكذب به، ولم يبين فيم كانت خصومتهم؟ وبَيْنَ مَنْ كانت في هذه الآية؟ لكنه بين في آية أخرى وفسر وهو ما قال:{ قَالَ ٱلْمَلأُ ٱلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ لِلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحاً مُّرْسَلٌ مِّن رَّبِّهِ قَالُوۤاْ إِنَّا بِمَآ أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ * قَالَ ٱلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُوۤاْ إِنَّا بِٱلَّذِيۤ آمَنتُمْ بِهِ كَافِرُونَ } [الأعراف: 75-76]، هذه الخصومة التي ذكر في قوله: { فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ } بين الرؤساء من المؤمنين بصالح، والله أعلم. وقوله: { يٰقَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِٱلسَّيِّئَةِ قَبْلَ ٱلْحَسَنَةِ } أي: لم تستعجلون العذاب قبل الرحمة، واستعجالهم العذاب والسيئة ذكر في آية أخرى وهو قوله:{ فَعَقَرُواْ ٱلنَّاقَةَ وَعَتَوْاْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُواْ يَاصَالِحُ ٱئْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ } [الأعراف: 77]، فذلك استعجالهم السيئة قبل الحسنة. وقوله: { لَوْلاَ تَسْتَغْفِرُونَ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } أي: لولا توحدون الله ولا تشركوا غيره في العبادة وتسمية الإلهية؛ لكي يرحمكم، وفيه إطماع لهم لو آمنوا وتابوا عنه لرحمهم؛ كقوله:{ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُمْ مَّا قَدْ سَلَفَ } [الأنفال: 38]. وقوله: { قَالُواْ ٱطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَن مَّعَكَ } أي: تشاءمنا منك وبمن معك، لم يزل الكفرة يقولون لرسل الله - عليهم السلام - ولمن آمن منهم: اطيرنا بكم، إذا أصابتهم الشدة والبلاء يتطيرون بهم ويتشاءمون، ويقولون: إنما أصابنا هذا بشؤمكم، وإذا أصابهم رخاء وسعة فقالوا: هذا لنا بنا ومن أنفسنا، وهو ما قال موسى حيث قال:{ فَإِذَا جَآءَتْهُمُ ٱلْحَسَنَةُ قَالُواْ لَنَا هَـٰذِهِ } الآية [الأعراف: 131]؛ وكذلك قال أهل مكة لرسول الله حيث قال:{ وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُواْ هَـٰذِهِ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُواْ هَـٰذِهِ مِنْ عِندِكَ } [النساء: 78]، كانوا يتطيرون برسول الله ويتشاءمون بما يصيبهم من الشدة، وما ينزل بهم من البلاء، فأخبر الله رسوله، وأمره أن يقول لهم:{ كُلٌّ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ } [النساء: 78] أي: الرخاء والشدة من عند الله ينزل، وهو باعث ذلك لا أنا؛ فعلى ذلك قوله: { طَائِرُكُمْ عِندَ ٱللَّهِ } أي: ما ينزل بكم ويصيبكم من الشدة والرخاء إنما ينزل من عند الله لا بنا ولا بكم. أو يقال: ما ينزل بكم من العذاب في الآخرة إنما يصيب بتكذيبكم إياي في الدنيا.