وقوله سبحانه: { وَإِن يُكَذِّبُوكَ }: يعني: قريشاً، { فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ * وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ * وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسَىٰ... } الآية فيها وعد لقريشٍ، و { فَأمْلَيْتُ } معناه: أمهلتُ، والنكير مصدر بمعنى الإنكار.
وقوله: «وبير معطلة» قيل: هو معطوف على العروش, وقيل: على القرية؛ وهو أصوب.
ثم وَبَّخَهُمْ تعالى على الغفلة وترك الاعتبار بقوله: { أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَآ } وهذه الآية تقتضي أَنَّ العقل في القلب، وذلك هو الحق، ولا يُنْكَرُ أَنَّ للدماغ اتصالاً بالقلب يوجب فساد العقل متى اختل الدماغ.
وقوله: { فَتَكُونَ }: نصب بالفاء في جواب الاستفهام؛ صُرِفَ الفعلُ من الجزم إلى النصب.
وقوله سبحانه: { فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى ٱلأَبْصَارُ } لفظ مبالغة كأنه قال: ليس العمى عَمَى العين، وإنما العمى كُلَّ العمى عَمَى القلب، ومعلوم أن الأبصار تعمى، ولكن المقصود ما ذكرنا؛ وهذا كقوله صلى الله عليه وسلم: " لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ " ، وَ " لَيْسَ الْمِسْكِينُ بِهَذَا الطَّوَافِ " ، والضمير في { إِنَّها } للقصة ونحوها من التقدير، والضميرُ في { يَسْتَعْجِلُونَكَ } لقريشٍ.
وقوله: { وَلَن يُخْلِفَ ٱللَّهُ وَعْدَهُ } وعيد وإخبار بأنَّ كل شيءٍ إلى وقت محدود، والوعد هنا مُقَيَّدٌ بالعذاب.
وقوله سبحانه: { وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ } قالت فرقة: معناه وإنَّ يوماً من أَيَّامِ عذاب اللّه كألف سنة من هذه؛ لطول العذاب وبؤسه، فكان المعنى أي من هذه السنين فما أَجْهَلَ مَنْ يَسْتَعْجِلَ هذا، وكُرِّرَ قوله: { وَكَأَيِّن }؛ لأَنَّهُ جلب معنى آخر؛ ذكر أَوَّلاً القرى المُهْلَكَةَ دون إملاء، بل بعقب التكذيب، ثم ثَنَّى سبحانه بالممهلة؛ لئلاَّ يفرحَ هؤلاء بتأخير العذاب عنهم، وباقي الآية بَيِّنٌ، والرزق الكريم: الجنة، و { مُعَـٰجِزِينَ } معناه: مغالبين، كأَنهم طلبوا عَجْزَ صاحب الآياتِ، والآياتُ تقتضي تعجيزهم؛ فصارت مُفَاعَلَةً.