قوله تعالى: { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ ٱلْكِتَـٰبِ } يعني أعطوا حظاً من علم التوراة { يَشْتَرُونَ ٱلضَّلـٰلَةَ } يعني يختارون الكفر على الإسلام. قال القتبي: وهذا من الاختصار، ومعناه: يشترون الضلالة بالهدى، أي يستبدلون هذا بهذا، كقوله:{ إِنَّ ٱلْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً } [سورة الإسراء: 34] أي مسئولا عنه، ثم قال تعالى: { وَيُرِيدُونَ أَن تَضِلُّواْ ٱلسَّبِيلَ } أي تتركوا طريق الهدى، وهو طريق الإسلام { وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ } أي يعلم بعداوتهم إياكم، يعني، هو يعلم بالحقيقة وأنتم تعلمون الظاهر. ويقال هذا وعيد لهم، فكأنه يقول: هو أعلم بعذابهم كما قال في آية أخرى{ وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِٱلظَّـٰلِمِينَ } [ سورة الأنعام: 58] يعني عليم بعقوبتهم ومجازاتهم ثم قال تعالى: { وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَلِيّاً } أي ناصراً لكم ومعيناً لكم { وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ نَصِيراً } يعني مانعاً لكم. قوله تعالى: { مّنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ } أي مالوا عن الهدى. قال الزجاج: { مِّنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ }: فيه قولان: فجائز أن يكون من صلة، والمعنى: ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب من الذين هادوا ويجوز أن يكون معناه من الذين هادوا قوم { يُحَرّفُونَ ٱلْكَلِمَ عَن مَّوٰضِعِهِ } أي، يحرفون نعته عن مواضعه، وهو نعت محمد - صلى الله عليه وسلم - { وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا } قولك { وَعَصَيْنَا } أمرك { وَٱسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ } منك { وَرٰعِنَا لَيّاً بِأَلْسِنَتِهِمْ } أي يلوون لسانهم بالسب، { وَطَعْناً فِي ٱلدّينِ } أي في دين الإسلام. قال القتبي: كانوا يقولون للنبي - صلى الله عليه وسلم - إذا حدثهم وأمرهم سمعنا، ويقولون في أنفسهم: وعصينا، وإذا أرادوا أن يكلموه بشيء قالوا: اسمع يا أبا القاسم، ويقولون في أنفسهم: لا سمعت ويقولون: راعنا، يوهمونه في ظاهر اللفظ أنهم يريدون انظرنا حتى نكلمك بما تريد، ويريدون به السب بالرعونة، { لَيّاً بِأَلْسِنَتِهِمْ } أي قلباً للكلام بها. { وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا } مكان سمعنا وعصينا { وَٱسْمَعْ } مكان اسمع لا سمعت. { وَٱنْظُرْنَا } مكان قولهم: راعنا { لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَقْوَمَ } أي وأصوب من التحريف والطعن. ثم قال تعالى: { وَلَكِن لَّعَنَهُمُ ٱللَّهُ بِكُفْرِهِمْ } أي خذلهم الله وطردهم مجازاة لهم بكفرهم، { فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً } يعني لا يؤمنون إلا بالقليل لأنهم لا يؤمنون بالقرآن ولا يؤمنون بجميع ما عندهم، ولا بسائر الكتب وإنما يصدقون ببعض ما عندهم. ويقال: لا يؤمنون، إلا القليل منهم، وهم مؤمنو أهل الكتاب ويقال: إنهم لا يؤمنون، وهم بمنزلة رجل يقول: فلان قليل الخير، يعني لا خير فيه. ثم خوفهم فقال: { قَلِيلاً يَـا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ ءامِنُواْ بِمَا نَزَّلْنَا } أي صدقوا بالقرآن { مُصَدّقاً لّمَا مَعَكُمْ } أي موافقاً للتوراة في التوحيد وبعض الشرائع، { مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّهَا عَلَىٰ أَدْبَـٰرِهَا } وطمسها أن يردها على بصائر الهدى، ويقال طمسها أن يحول الوجوه إلى الأقفية، ويقال: يخسف الأنف والعين فيجعلها طمساً، ويقال: من قبل أن يطمس أي تسود الوجوه، قال بعضهم: يعني به في الآخرة، ويقال: هذا تهديد لهم في الدنيا.