اعلم أن في هذه الآية الكريمة قراءات سبعية، وأقوالاً لعلماء التفسير، بعضها يشهد له قرآن، وقد قدمنا في ترجمة هذا الكتاب المبارك أن الآية قد تكون فيها مذاهب للعلماء، يشهد لكل واحد منها قرآن. فنذكر الجميع وأدلته في القرآن. فإذا علمت ذلك فاعلم أن قوله في هذه الآية { وَلَمْ تَكُن لَّهُ فِئَةٌ } قرأه السبعة ما عدا حمزة والكسائي بالتاء المثناة الفوقية. وقرأه حمزة والكسائي " ولم يكن له فئة " بالياء المثناة التحتية. وقوله { ٱلْوَلاَيَةُ لِلَّهِ ٱلْحَقِّ } قرأة السبعة ما عدا حمزة والكسائي أيضاً " الولاية " بفتح الواو. وقرأه حمزة والكسائي بكسر الواو. وقوله " الحق " قرأه السبعة ما عدا أبا عمرو والكسائي بالخفض نعتاً " لله " وقرأه أبو عمرو والكسائي بالرفع نعتاً للولاية. فعلى قراءة من قرأ " الولاية لله " بفتح الواو - فإن معناها الموالاة والصلة، وعلى هذه القراءة ففي معنى الآية وجهان الأول - أن معنى { هُنَالِكَ ٱلْوَلاَيَةُ لِلَّهِ } أي في ذلك المقام، وتلك الحال تكون الولاية من كل أحد لله، لأن الكافر إذا رأى العذاب رجع إلى الله. وعلى هذا المعنى فالآية كقوله تعالى{ فَلَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا قَالُوۤاْ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَحْدَهُ وَكَـفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ } غافر 84، وقوله في فرعون{ حَتَّىٰ إِذَآ أَدْرَكَهُ ٱلْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لاۤ إِلِـٰهَ إِلاَّ ٱلَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنوۤاْ إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ ٱلْمُفْسِدِينَ } يونس 90-91 ونحو ذلك من الآيات. الوجه الثاني - أن الولاية في مثل ذلك المقام وتلك الحال لله وحده، فيوالى فيه المسلمين ولاية رحمة، كما في قوله تعالى{ ٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } البقرة 257 الآية، وقوله{ ذَلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ مَوْلَى ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَأَنَّ ٱلْكَافِرِينَ لاَ مَوْلَىٰ لَهُمْ } محمد 11. وله على الكافرين ولاية الملك والقهر، كما في قوله{ وَرُدُّوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ مَوْلاَهُمُ ٱلْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } يونس 30. وعلى قراءة حمزة والكسائي فالولاية بالكسر بمعنى الملك والسلطان، والآية على هذه القراءة كقوله{ لِّمَنِ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ لِلَّهِ ٱلْوَاحِدِ ٱلْقَهَّارِ } غافر 16 وقوله{ ٱلْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ ٱلْحَقُّ لِلرَّحْمَـٰنِ } الفرقان 26 الآية، وقوله{ ٱلْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ للَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ } الحج 56. وعلى قراءة " الحق " بالجر نعتاً لله، فالآية كقوله{ وَرُدُّوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ مَوْلاَهُمُ ٱلْحَقِّ } يونس 30 الآية. وقوله{ فَذَلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمُ ٱلْحَقُّ } يونس 32 الآية، وقوله{ يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ ٱللَّهُ دِينَهُمُ ٱلْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْحَقُّ ٱلْمُبِينُ } النور 25 إلى غير ذلك من الآيات. وعلى قراءة " الحق " بالرفع نعتاً للولاية، على أن الولاية بمعنىالملك، فهو كقوله{ ٱلْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ ٱلْحَقُّ لِلرَّحْمَـٰنِ } الفرقان 26. وما ذكره جل وعلا عن هذا الكافر من أنه لم تكن له فئة ينصرونه من دون الله - ذكر نحوه عن غيره من الكفار، كقوله في قارون