قوله: { إِذْ يُرِيكَهُمُ ٱللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلاً } ، إلى قوله: { تُرْجَعُ ٱلأُمُورُ }. والمعنى: إنّ الله عز وجل، يا محمد، { لَسَمِيعٌ } لما يقول أصحابك { عَلِيمٌ } بما يضمرون، إذ يريك عدوك وعدوهم { فِي مَنَامِكَ قَلِيلاً } ، فتخبر أصحابك بذلك، فتقوى نفوسهم، ويجترئون على حرب عدوهم، ولو أراك ربك عدوك وعدوهم كثيراً، لفشل أصحابك فجبنوا على قتالهم، وتنازعوا في ذلك، { وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ سَلَّمَ } ، من ذلك بما أراك في منامك من قلتهم { إِنَّهُ عَلِيمٌ } ، بما تُجِنُّه الصدور. قال مجاهد: أراهم الله عز جل، نبيّه عليه السلام، في منامه قليلاً، فأخبر أصحابه، فكان تثبيتاً لهم. وقال الحسن: كان ذلك رؤية حق غير منام. والمعنى: { إِذْ يُرِيكَهُمُ [ٱللَّهُ] } بعينك التي تنام بها { قَلِيلاً } ، فالمعنى على هذا: في موضع منامك. وهو عند جميع أهل التفسير رؤيا في النوم كانت، إلا الحسن. فأمّا قوله: { وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ ٱلْتَقَيْتُمْ } ، فهي رؤية حق لا منام، وهذا خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، وأصحابه. ومعنى: { وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ سَلَّمَ }. أي: سلم للمؤمنين أمرهم حتى أظفرهم. وقيل المعنى: سلم أمره فيهم. وقيل: سلم القوم من الفشل بما أرى نبيهم صلى الله عليه وسلم. من قلتهم. قاله ابن عباس. يقال: فَشِل الرجل، أي: جَبُن. ثم قال: { وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ ٱلْتَقَيْتُمْ فِيۤ أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً }. أي: أراكم، أيها المؤمنون، عدوكم، قليلاً، وهم كثير ليهون عليكم أمرهم، فلا تجزعوا ولا تجبنوا، ويقلل المؤمنين في أعينهم، ليتركوا الاستعداد لهم، فتهون على المؤمنين شوكتهم. قال عبد الله بن مسعود: قُلِّلوا في أعيننا يوم بدر، حتى قلت لرجل إلى جانبي: أراهم سبعين؟ قال: أراه مائة، قال: فأسرنا رجلاً منهم / فقلنا: كم كنتم؟ قال: ألفاً. وكان من قول أبي جهل لأصحابه لما قلّل الله عز وجل، المسلمين في عَيْنَيْه: يا قوم، لا تقتلوهم بالسلاح، ولكن خُذُوهم أَخْذاً، فاربطوهم بالحبال. ثم قال: { لِيَقْضِيَ ٱللَّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً }. أي: فعل ذلك، فيظفركم بعدوكم، وتكون كلمة الله هي العليا، وكلمة الذين كفروا السفلى. { وَإِلَى ٱللَّهِ تُرْجَعُ ٱلأُمُورُ }. أي: تصير في الآخرة إليه، فيجازي كل نفس بما كسبت.