قوله تعالى: { كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ } قال صاحب الكشاف: " رهينة " ليست بتأنيث رهين في قوله:{ كُلُّ ٱمْرِىءٍ بِمَا كَسَبَ رَهَينٌ } [الطور: 21]، لتأنيث النفس؛ لأنه لو قصدت الصفة لقيل: رهين؛ لأن فعيلاً بمعنى مفعول، يستوي فيه المذكر والمؤنث، وإنما هي بمعنى: الرهن، [كالشتيمة] بمعنى: الشتم، كأنه قيل: كل نفس بما كسبت رهن. وفي معنى الآية ثلاثة أقوال: أحدها: كل نفس بالغة رهينةٌ بعملها لتُحاسب عليه، { إِلاَّ أَصْحَابَ ٱلْيَمِينِ } ، وهم أطفال المسلمين؛ لأنه لا حساب عليهم، لأنهم لا ذنوب لهم. قاله علي عليه السلام، واختاره الفراء. الثاني: كل نفس من أصحاب النار رهينة في النار، إلا أصحاب اليمين وهم المؤمنون فإنهم في الجنة. قاله الضحاك. الثالث: كل نفس مرتهنة بعملها لتحاسب عليه، إلا أصحاب اليمين فإنهم لا يحاسبون. قاله ابن جريج. وقال ابن السائب: هم الذين قال لهم: هؤلاء في الجنة ولا أبالي، وهم الذين كانوا على يمين آدم. وقال مقاتل: هم الذين أُعْطوا كتبهم بأيمانهم. { فِي جَنَّاتٍ } أي: هم في جنات { يَتَسَآءَلُونَ * عَنِ ٱلْمُجْرِمِينَ } يسأل بعضهم بعضاً، أو يتساءلون غيرهم. وقال مقاتل: إذا خرج أهل التوحيد من النار قال المؤمنون لمن بقي في النار: { مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ }. قال الفراء: وهذه الآية تٌقوّي أنهم الولدان؛ لأنهم لم يعرفوا الذنوب، فسألوا: " ما سلككم في سقر ". وقال غيره: سألوهم مع علمهم بحالهم؛ توبيخاً وتقريعاً لهم. والمعنى: ما أدخلكم النار؟. { قَالُواْ لَمْ نَكُ مِنَ ٱلْمُصَلِّينَ } أي: من أهل الصلاة. { وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ ٱلْمِسْكِينَ } لله عز وجل. { وَكُنَّا نَخُوضُ } [تكذيباً] واستهزاءً { مَعَ ٱلُخَآئِضِينَ } بالباطل. { وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ ٱلدِّينِ } أي: بيوم الجزاء والحساب. { حَتَّىٰ أَتَانَا ٱلْيَقِينُ } وهو الموت. { فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ ٱلشَّافِعِينَ } قال المفسرون: هذا بعد الشفاعة. قال ابن عباس: يريد: شفاعة الملائكة والنبيين، كما نفعت الموحدين. وقال الحسن: لم تنفعهم شفاعة مَلَك ولا شهيد ولا مؤمن. قال ابن مسعود: يشفع نبيكم صلى الله عليه وسلم رابع أربعة؛ جبريل، ثم إبراهيم، ثم موسى وعيسى، ثم نبيكم [صلى الله عليهم] أجمعين، لا يُشفّع أحدٌ في أكثر مما يُشفّع فيه نبيكم، ثم النبيون، ثم الصدّيقون، ثم الشهداء. ويبقى قوم في جهنم فيقال لهم: { مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُواْ لَمْ نَكُ مِنَ ٱلْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ ٱلْمِسْكِينَ } قرأ إلى قوله: { فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ ٱلشَّافِعِينَ }. قال ابن مسعود: فهؤلاء الذين يبقون في جهنم. { فَمَا لَهُمْ عَنِ ٱلتَّذْكِرَةِ } أي: عن التذكير، يريد: الموعظة بالقرآن وغيره من المواعظ، { مُعْرِضِينَ } نصب على الحال، كما تقول: ما لك قائماً. { كَأَنَّهُمْ } لشدة نفرتهم عن التذكرة { حُمُرٌ مُّسْتَنفِرَةٌ }. قرأ نافع وابن عامر: " مستنفَرة " بفتح الفاء، على معنى: أنها استدعيت للنفار من القَسْوَرة، فهي مفعول بها في المعنى.